(ظَنَّ السَّوْءِ) يشمل ظنونهم الفاسدة من الشرك ، كما قال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ*) (١) ، ومن انتفاء رؤية الله تعالى الأشياء وعلمه بها كما قال : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً) (٢) بطلان خلق العالم ، كما قال : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣). وقيل : السوء هنا كما تقول : هذا فعل سوء. وقرأ الحسن : السوء فيهما بضم السين.
(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) : لما تقدم تعذيب الكفار والانتقام منهم ، ناسب ذكر العزة. ولما وعد تعالى بمغيبات ، ناسب ذكر العلم ، وقرن باللفظتين ذكر جنود السموات والأرض ؛ فمنها السكينة التي للمؤمنين والنقمة للمنافقين والمشركين ، ومن جنود الله الملائكة في السماء ، والغزاة في سبيل الله في الأرض. وقرأ الجمهور : (لِتُؤْمِنُوا) ، وما عطف عليه بتاء الخطاب ؛ وأبو جعفر ، وأبو حيوة ، وابن كثير ، وأبو عمرو : بياء الغيبة ؛ والجحدري : بفتح التاء وضم الزاي خفيف ؛ وهو أيضا ، وجعفر بن محمد كذلك ، إلا أنهم كسروا الزاي ؛ وابن عباس ، واليماني : بزاءين من العزة ؛ وتقدم الكلام في وعزّروه في الأعراف. والظاهر أن الضمائر عائدة على الله تعالى ، وتفريق الضمائر يجعلها للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبعضها لله تعالى ، حيث يليق قول الضحاك. (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، قال ابن عباس : صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) : هي بيعة الرضوان وبيعة الشجرة ، حين أخذ الرسول صلىاللهعليهوسلم الأهبة لقتال قريش ، حين أرجف بقتل عثمان بن عفان ، فقد بعثه إلى قريش يعلمهم أنه جاء معتمرا لا محاربا ، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية ، بايعهم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد ، ولذلك قال سلمة بن الأكوع وغيره : بايعنا على الموت. وقال ابن عمر ، وجابر : على أن لا نفر. والمبايعة : مفاعلة من البيع ، لأن (اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٤) ، وبقي اسم البيعة بعد على معاهدة الخلفاء والملوك. (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) أي صفقتهم ، إنما يمضيها ويمنح الثمن الله عزوجل. وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب : إنما يبايعون لله ، أي لأجل الله ولوجهه ؛ والمفعول محذوف ، أي إنما يبايعونك لله.
(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ). قال الجمهور : اليد هنا النعمة ، أي نعمة الله في هذه المبايعة ، لما يستقبل من محاسنها ، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك. وقيل : قوة الله فوق
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٦٦.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٢٢.
(٣) سورة ص : ٣٨ / ٢٧.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ١١١.