التركيب : تنزيل الكتاب العزيز الحكيم من الله ، لأن من الله ، إما أن يكون متعلقا بتنزيل ، وتنزيل خبر لحم ، أو لمبتدأ محذوف ، فلا يجوز الفصل به بين الصفة والموصوف ، لا يجوز أعجبني ضرب زيد سوط الفاضل ؛ أو في موضع الخبر ، وتنزيل مبتدأ ، فلا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف أيضا ، لا يجوز ضرب زيد شديد الفاضل ، والتركيب الصحيح في نحو هذا أن يلي الصفة موصوفها.
(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، احتمل أن يريد : في خلق السموات ، كقوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) ، والظاهر أنه لا يراد التخصيص بالخلق ، بل في السموات والأرض على الإطلاق والعموم ، أي في أي شيء نظرت منهما من خلق وغيره ، من تسخير وتنوير وغيرهما ، (لَآياتٍ) : لم يأت بالآيات مفصلة ، بل أتى بها مجملة ، إحالة على غوامض يثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع. وجعلها (لِلْمُؤْمِنِينَ) ، إذ في ضمن الإيمان العقل والتصديق. (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) ، أي في غير جنسكم ، وهو معطوف على : (وَفِي خَلْقِكُمْ). ومن أجاز العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، أجاز في (وَما يَبُثُ) أن يكون معطوفا على الضمير (وَفِي خَلْقِكُمْ) ، وهو مذهب الكوفيين ، ويونس ، والأخفش ؛ وهو الصحيح ، واختاره الأستاذ أبو علي الشلوبين. وقال الزمخشري : يقبح العطف عليه ، وهذا تفريع على مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، قال : وكذلك أن أكدوه كرهوا أن يقولوا : مررت بك أنت وزيد. انتهى. وهذا يجيزه الجرمي والزيباري في الكلام ، وقال : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) : وهم الذين لهم نظر يؤديهم إلى اليقين.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : تقدم الكلام على نظيره في سورة البقرة. وقرأ الجمهور : آيات ، جمعا بالرفع فيهما ؛ والأعمش ، والجحدري ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب : بالنصب فيهما ؛ وزيد بن علي ؛ برفعهما على التوحيد. وقرأ أبي ، وعبد الله : لآيات فيهما ، كالأولى. فأما : (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) رفعا ونصبا ، فاستدل به وشبهه مما جاء في كلام الأخفش ، ومن أخذ بمذهبه على عطف معمولي عاملين بالواو ، وهي مسألة فيها أربعة مذاهب ، ذكرناها في (كتاب التذييل والتكميل لشرح التسهيل). فأما ما يخص هذه الآية ، فمن نصب آيات بالواو عطفت ، واختلاف على المجرور بفي قبله وهو : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُ) ، وعطف آيات على آيات ، ومن رفع فكذلك ، والعاملان أولاهما إن وفي ، وثانيهما الابتداء وفي. وقال الزمخشري : أقيمت الواو مقامهما ، فعملت الجر ، واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات ، وإذا رفعت والعاملان الابتداء ، وفي عملت