(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (١). وقرأ زيد بن علي : يعشو بالواو. وقال الزمخشري : على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط ، وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. انتهى. ولا يتعين ما قاله ، إذ تتخرج هذه القراءة على وجهين : أحدهما : أن تكون من شرطية ، ويعشو مجزوم بحذف الحركة تقديرا. وقد ذكر الأخفش أن ذلك لغة بعض العرب ، ويحذفون حروف العلة للجازم. والمشهور عند النحاة أن ذلك يكون في الشعر ، لا في الكلام. والوجه الثاني : أن تكون من موصولة والجزم بسببها للموصول باسم الشرط ، وإذا كان ذلك مسموعا في الذي ، وهو لم يكن اسم شرط قط ، فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولا وشرطا. قال الشاعر :
ولا تحفرن بئرا تريد أخا بها |
|
فإنك فيها أنت من دونه تقع |
كذاك الذي يبغي على الناس ظالما |
|
تصبه على رغم عواقب ما صنع |
أنشدهما ابن الأعرابي ، وهو مذهب الكوفيين ، وله وجه من القياس ، وهو : أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره ، فكذلك يشبه به فينجزم الخبر ، إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسببا عن الصلة بشروطه المذكورة في علم النحو ، وهذا لا ينفيه البصريون. وقرأ الجمهور : نقيض ، بالنون ؛ وعلي ، والسلمي ، والأعمش ، ويعقوب ، وأبو عمرو : بخلاف عنه ؛ وحماد عن عاصم ، وعصمة عن الأعمش ، وعن عاصم ، والعليمي عن أبي بكر : بالياء ، أي يقيض الرحمن ؛ وابن عباس : يقيض مبنيا للمفعول. له شيطان : بالرفع ، أي ييسر له شيطان ويعدله ، وهذا عقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح. كما يقال : إن الله يعاقب على المعصية بالتزايد من السيئات. وقال الزمخشري : يخذله ، ويحل بينه وبين الشياطين ، كقوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) (٢) (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ) (٣). انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. والظاهر أن ضمير النصب في (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) عائد على من ، على المعنى أعاد أولا على اللفظ في إفراد الضمير ، ثم أعاد على المعنى. والضمير في يصدونهم عائد على شيطان وإن كان مفردا ، لأنه مبهم في جنسه ، ولكل عاش شيطان قرين ، فجاز أن يعود الضمير مجموعا. وقال ابن عطية : والضمير في قوله : وإنهم ، عائد على الشيطان ، وفي : ليصدونهم ، عائد على الكفار. انتهى. والأولى ما ذكرناه لتناسق الضمائر في وإنهم ، وفي ليصدونهم ، وفي ويحسبون ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨ ـ ١٧١.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٢٥.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٨٣.