(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً). ولما كان العقم ليس بمحمود قال : (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) ، وهو قسيم لمن يولد له. ولما كانت الخنثى مما يحزن بوجوده ، لم يذكره تعالى. قالوا : وكانت الخلقة مستمرة ، ذكرا وأنثى ، إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى ، فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه ، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم. فلما جن عليه الليل ، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار ، وأنكرت خادمه حاله فسألته ، فقال : بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه ، فقالت له : ما هو؟ فقال : شخص له ذكر وفرج ، كيف يكون حاله في الميراث؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول ، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم ، فرضوا بها. وجاء الإسلام على ذلك ، وقضى بذلك علي ، كرم الله وجهه ، إنه عليم بمصالح العباد ، قدير على تكوين ما يشاء.
كان من الكفار خوض في معنى تكليم الله موسى ، فذهبت قريش واليهود في ذلك إلى التجسيم ، فنزلت. وقيل : كانت قريش تقول : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا صادقا ، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم الرسول عليهالسلام : «لم ينظر موسى إلى الله» ، فنزلت : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) ، بيانا لصورة تكليم الله عباده أي ما ينبغي ولا يمكن البشر إلا يوحى إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام. قال مجاهد : أو النفث في القلب. وقال النقاش : أو وحي في المنام. وقال النخعي : كان في الأنبياء من يخط له في الأرض ، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزا ، كموسى عليهالسلام ، وهذا معنى (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) : أي من خفاء عن المتكلم ، لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه ، وليس كالحجاب في المشاهد ، أو بأن يرسل إليه ملكا يشافهه بوحي الله تعالى ، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : وما صح لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على ثلاثة أوجه : إما على طريق الوحي ، وهو الإلهام والقذف في القلب والمنام ، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليهالسلام في ذبح ولده. وعن مجاهد : أوحى الله الزبور إلى داود عليهالسلام في صدره ، قال عبيد بن الأبرص :
وأوحى إلى الله أن قد تأمروا |
|
بابن أبي أوفى فقمت على رجل |
أي : ألهمنى وقذف في قلبي.
وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه ، لأنه في ذاته غير مرئي. (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) مثل ، أي : كما يكلم الملك