بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ، اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ، يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ، اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
لما عدد تعالى نعمه عليهم الخاصة ، أتبعه بذكر نعمه العامة ، وهو ما شرع لهم من العقائد المتفق عليها ، من توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وبكتبه وباليوم الآخر ، والجزاء فيه. ولما كان أول الرسل نوح عليهالسلام ، وآخرهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، ثم أتبع ذلك ما وصى به إبراهيم ، إذ كان أبا العرب ، ففي ذلك هزلهم وبعث على اتباع طريقته ، وموسى وعيسى صلوات الله عليهم ، لأنهما هما اللذان كان أتباعهما موجودين زمان بعثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والشرائع متفقة فيما ذكرنا من العقائد ، وفي كثير من الأحكام ، كتحريم الزنا والقتل بغير حق. والشرائع مشتملة على عقائد وأحكام ؛ ويقال : إن نوحا أول من أتى بتحريم البنات والأمهات وذوات المحارم. وقال ابن عباس : اختار ، ويحتمل أن تكون أن مفسرة ، لأن قبلها ما هو بمعنى القول ، فلا موضع لها من الأعراب. وأن تكون أن المصدرية ، فتكون في موضع نصب على البدل من ما ؛ وما عطف عليها ، أو في موضع رفع ، أي ذلك ، أو هو إقامة الدين ، وهو توحيد الله وما يتبعه مما لا بد من اعتقاده. ثم نهى عن التفرقة فيه ، لأن التفرق سبب للهلاك ، والاجتماع والألفة سبب للنجاة. (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) : أي عظم وشق ، ما توعدهم إليه من توحيد الله وترك عباده الأصنام وإقامة الدين. (اللهُ يَجْتَبِي) : يجتلب ويجمع ، (إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) هدايته ، وهذا تسلية للرسول. وقيل : يجتبي ، فيجعله رسولا إلى عباده ، (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) : يرجع إلى طاعته عن كفره. وقال الزمخشري : (مَنْ يَشاءُ) : من ينفع فيهم توفيقه ويجري عليهم لطفه. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال.
وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لم يكن مع آدم عليهالسلام إلا بنوه ، ولم تفرض ، له الفرائض ، ولا شرعت له المحارم ، وإنما كان منبها على بعض الأمور ، مقتصرا على ضرورات المعاش. واستمر الهدى إلى نوح ، فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات ، ووظف