منقطعة أيضا مع تقدم الاستفهام ، يكون كقولك : أزيد عندك أم عندك عمرو؟ واستفهمت عن زيد ، ثم أضربت عن ذلك واستفهمت عن عمرو ، فالتقدير : بل أزاغت عنهم الأبصار. ويجوز أن يكون قولهم : (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) له تعلق بقوله : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) ، لأن الاستفهام أولا دل على انتفاء رؤيتهم إياهم ، وذلك دليل على أنهم ليسوا معه ، ثم جوزوا أن يكونوا معه ، ولكن أبصارهم لم ترهم. (إِنَّ ذلِكَ) : أي التفاوض الذي حكيناه عنهم ، (لَحَقٌ) : أي ثابت واقع لا بد أن يجري بينهم. وقرأ الجمهور : (تَخاصُمُ) بالرفع مضافا إلى (أَهْلِ). قال ابن عطية : بدل من (لَحَقٌ). وقال الزمخشري : بين ما هو فقال : تخاصم منونا ، أهل رفعا بالمصدر المنون ، ولا يجيز ذلك الفراء ، ويجيزه سيبويه والبصريون. وقرأ ابن أبي عبلة : تخاصم أهل ، بنصب الميم وجر أهل. قال الزمخشري : على أنه صفة لذلك ، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس. وفي كتاب اللوامح : ولو نصب تخاصم أهل النار ، لجاز على البدل من ذلك. وقرأ ابن السميفع : تخاصم : فعلا ماضيا ، أهل : فاعلا ، وسمى تعالى تلك المفاوضة التي جرت بين رؤساء الكفار وأتباعهم تخاصما ، لأنّ قولهم : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) ، وقول الأتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) ، هو من باب الخصومة ، فسمى التفاوض كله تخاصما لاستعماله عليه. (قُلْ) : يا محمد ، (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) : أي منذر المشركين بالعذاب ، وأن الله لا إله إلا الله ، لا ند له ولا شريك ، وهو الواحد القهار لكل شيء ، وأنه مالك العالم ، علوه وسفله ، العزيز الذي لا يغالب ، الغفار لذنوب من آمن به واتبع لدينه.
(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ، ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ، إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ، إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ، قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ، قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ، قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ، قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).