أَفْلَحَ) (١) ، حكاه الفراء وثعلب ، وهذه الأقوال يجب اطراحها. وقيل : هو صاد ، إذ معناه : صدق محمد وصدق الله. وكون صاد جواب القسم ، قاله الفراء وثعلب ، وهذا مبني على تقدم جواب القسم ، واعتقاد أن الصاد يدل على ما ذكروه. وقيل : الجواب محذوف ، فقدره الحوفي : لقد جاءكم الحق ونحوه ، والزمخشري : إنه لمعجز ، وابن عطية : ما الأمر كما تزعمون ، ونحو هذا من التقدير. ونقل أن قتادة والطبري قالا : هو محذوف قبل (بَلِ) ، قال : وهو الصحيح ، وقدره ما ذكرنا عنه ، وينبغي أن يقدر ما أثبت هنا جوابا للقرآن حين أقسم به ، وذلك في قوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢) ، ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ، وقال هناك : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) (٣) ، فالرسالة تنضمن النذارة والبشارة ، وبل للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى حالة تعزز الكفار ومشاقهم في قبول رسالتك وامتثال ما جئت به ، واعتراف بالحق.
وقرأ حماد بن الزبرقان ، وسورة عن الكسائي ، وميمون عن أبي جعفر ، والجحدري من طريق العقيلي : في غرة ، بالغين المعجمة والراء ، أي في غفلة ومشاقة. (قَبْلِهِمْ) : أي قبل هؤلاء ذوي المنعة الشديدة والشقاق ، وهذا وعيد لهم. (فَنادَوْا) : أي استغاثوا ونادوا بالتوبة ، قاله الحسن ؛ أو رفعوا أصواتهم ، يقال : فلان أندى صوتا : أي أرفع ، وذلك بعد معاينة العذاب ، فلم يك وقت نفع. وقرأ الجمهور : (وَلاتَ حِينَ) ، بفتح التاء ونصب النون ، فعلى قول سيبويه ، عملت عمل ليس ، واسمها محذوف تقديره : ولات الحين حين فوات ولا فرار. وعلى قول الأخفش : يكون حين اسم لات ، عملت عمل إن نصبت الاسم ورفعت الخبر ، والخبر محذوف تقديره : ولات أرى حين مناص. وقرأ أبو السمال : ولات حين ، بضم التاء ورفع النون ؛ فعلى قول سيبويه : حين مناص اسم لات ، والخبر محذوف ؛ وعلى قول الأخفش : مبتدأ ، والخبر محذوف. وقرأ عيسى بن عمر : ولات حين ، بكسر التاء وجر النون ، خبر بعد لات ، وتخريجه مشكل ، وقد تمحل الزمخشري في تخريج الخبر في قوله :
طلبوا صلحنا ولات حين أوان |
|
فأجبنا أن لات حين بقاء |
قال : شبه أوان بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض ، لأن الأصل : ولات أوان صلح. فإن قلت : فما تقول في حين مناص ، والمضاف
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ١ ـ ٣.
(٣) سورة يس : ٣٦ / ٦.