وتصغيرا لهم ، وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم ، وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار ، وهو من صفات الأجرام ، لا يصح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك. انتهى.
(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) : أي الملائكة ، (إِنَّهُمْ) : أي الكفرة المدعين نسبة بين الملائكة وبين الله تعالى ، محضرون النار ، يعذبون بما يقولون. وأضيف ذلك إلى علم من نسبوا لذلك ، مبالغة في تكذيب الناسبين. ثم نزه تعالى نفسه عن الوصف الذي لا يليق به ، (إِلَّا عِبادَ اللهِ) ، فإنهم يصفونه بصفاته. وأما من المحضرون ، أي إلا عباد الله ، فإنهم ناجون مدة العذاب ، وتكون جملة التنزيه اعتراضا على كلا القولين ، فالاستثناء منقطع. والظاهر أن الواو في (وَما تَعْبُدُونَ) للعطف ، عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم ، وأن الضمير في عليه عائد على ما ، والمعنى : قل لهم يا محمد : وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم ، وغلب الخطاب. كما تقول : أنت وزيد تخرجان عليه ، أي على عبادة معبودكم. (بِفاتِنِينَ) : أي بحاملين بالفتنة عبادة ، إلا من قدر الله في سابق علمه أنه من أهل النار. والضمير في (عَلَيْهِ) عائد على ما على حذف مضاف ، كما قلنا ، أي على عبادته. وضمن فاتنين معنى : حاملين بالفتنة ، ومن مفعولة بفاتنين ، فرغ له العامل إذ لم يكن بفاتنين مفعولا. وقيل : عليه بمعنى : أي ما أنتم بالذي تعبدون بفاتنين ، وبه متعلق بفاتنين ، المعنى : ما أنتم فاتنين بذلك الذي عبدتموه إلا من سبق عليه القدر أنه يدخل النار. وجعل الزمخشري الضمير في عليه عائدا على الله ، قال فإن قلت : كيف يفتنونهم على الله؟ قلت : يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم من قولك : فتن فلان على فلان امرأته ، كما تقول : أفسدها عليه وخيبها عليه. ويجوز أن تكون الواو في (وَما تَعْبُدُونَ) بمعنى مع مثلها في قولهم : كل رجل وضيعته. فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته ، جاز أن يسكت على قوله : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) ، لأن قوله : (وَما تَعْبُدُونَ) ساد مسد الخبر ، لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون ، والمعنى : فإنكم مع آلهتكم ، أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونهم. ثم قال (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) : أي على ما تعبدون ، (بِفاتِنِينَ) : بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال ، إلا من هو ضال منكم. انتهى. وكون الواو في (وَما تَعْبُدُونَ) واو مع غير متبادر إلى الذهن ، وقطع (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) عن إنكم وما تعبدون ليس بجيد ، لأن اتصافه به هو السابق إلى الفهم مع صحة المعنى ، فلا ينبغي العدول عنه.