موكل بشدوف الصوم يرقبها |
|
من المناظر مخطوف الحشازرم |
وقيل : الشياطين صنف من الحيات ذوات أعراف ، ومنه :
عجيز تحلف حين أحلف |
|
كمثل شيطان الحماط أعرف |
وقيل : شبه بما اشتهر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها ، وإن كانت غير مرثية ، ولذلك يصورون الشيطان في أقبح الصور. وإذا رأوا أشعث منتفش الشعر قالوا : كأنه وجه شيطان ، وكأن رأسه رأس شيطان ، وهذه بخلاف الملك ، يشبهون به الصورة الحسنة. وكما شبه امرؤ القيس المسنونة الزرق بأنياب الغول في قوله :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وإن كان لم يشاهد تلك الأنياب ، وهذا كله تشبيه تخييلي. والضمير في منها يعود على الشجرة ، أي من طلعها. وقرأ الجمهور : (لَشَوْباً) بفتح الشين ؛ وشيبان النحوي : بضمها. وقال الزجاج : الفتح للمصدر والضم للاسم ، يعني أنه فعل بمعنى مفعول ، أي مشوب ، كالنقص بمعنى المنقوص. وفسر بالخلط والحميم الماء السخن جدا ، وقيل : يراد به هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ساح منهم. ولما ذكر أنهم يملأون بطونهم من شجرة الزقوم للجوع الذي يلحقهم ، أو لإكراههم على الأكل وملء البطون زيادة في عذابهم ، ذكر ما يسقون لغلبة العطش ، وهو ما يمزج لهم من الحميم. ولما كان الأكل يعتقبه ملء البطن ، كان العطف بالفاء في قوله : (فَمالِؤُنَ). ولما كان الشرب يكثر تراخيه عن الأكل ، أتى بلفظ ثم المقتضية المهلة ، أو لما امتلأت بطونهم من ثمرة الشجرة ، وهو حار ، أحرق بطونهم وعطشهم ، فأخر سقيهم زمانا ليزدادوا بالعطش عذابا إلى عذابهم ، ثم سقوا ما هو أحر وآلم وأكره.
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) : لما ذهب بهم من منازلهم التي أسكنوها في النار إلى شجرة الزقوم للأكل والتملؤ منها والسقي من الحميم ونواحي رجوعهم إلى منازلهم ، دخلت ثم للدلالة على ذلك ، والرجوع دليل على الانتقال في وقت الأكل والشرب إلى مكان غير مكانهما ، ثم ذكر تعالى حالهم في تقليد آبائهم. والضمير لقريش ، وأن ذلك التقليد كان سببا لاستحقاقهم تلك الشدائد ، أي وجدوا آباءهم ضالين ، فاتبعوهم على ضلالتهم ، مسرعين في ذلك لا يثبطهم شيء. ثم أخبر بضلال أكثر من تقدم من الأمم ، هذا وما خلت أزمانهم من إرسال الرسل ، وإنذارهم عواقب التكذيب. وفي قوله : (فَانْظُرْ) ما يقتضي