قال النصراني : وكنت أنظر إلى الدريعي بن شعلان فأرى عينيه تشتعلان ، ومناخيره تنتفخ ، وأخاف كل لحظة من تلك اللحظات المنحوسة أنه لا يستطيع كظم غيظه فيرد كلام الملك بكلام أشد من كلامه فيهيج غضب الملك أكثر ، ولكنه مع اضطراب فؤاده رأى نفسه بلا نصرة ولا حماية من طرف الملك الذي يلومه ، فامتنع من التكلم وكظم غيظه ، ثم قام بغاية الوقار والهيبة وانصرف بالتؤدة ليشاور نفسه في أمره.
وكانت نجد ترتعد من هيجان ابن سعود لا أحد يتجاسر على مخالفة مراده. فجلسنا في محلنا مدة يومين بلياليها ما نسمع شيئا من أخبار الدولة ، إذ لا يرغب أحد في معاشرتنا.
والذين كانوا يكرموننا غاية الإكرام عند وصولنا اجتنبونا الآن ، واستهزأوا باعتمادنا على ذمة رجل قد اشتهر بالخيانة وسفك الدماء ، فكنا في كل وقت نترقب مجيء أعوان الظالم لقتلنا ، ونتفكر بغير منفعة في كيفية خلاصنا من مخالبه ، ثم في اليوم الثالث قال الدريعي : إن الموت أحسن من التحير والارتياب ، فبعث خلف أحد من وزراء الوهابي كان يسمى أبا السلم (١) فقال له : ابلغ سيدك كلامي هذا : كلما تريد أن تفعله فافعله حالا ، لا أذمك بل أذم نفسي التي ركنت إليك وصدقتك.
فانصرف أبو السلم ولم يرجع ، وما جاءنا من الملك إلا خمسة وعشرون عبدا أسود ، وقفوا ببابنا ، ففهمنا أننا أسراء لا محالة.
كتب الشيخ الحنبلي :
«لا نعرف أبا السلم ولا سمعنا بوزير له يسمى بهذا الاسم ، فمدة مملكة سعود اثنتا عشرة سنة ، ومملكة عبد الله أربع وكسور ، ومدة مملكة أبيه عبد العزيز أربعون سنة ، ومدة مملكة جده نحو ثلاثين سنة ، وما سمعنا لأحد منهم وزيرا يقال له أبو سلم» (٢).
قال النصراني : فعندما شاهدت ذلك صرت ألعن الرغبة المنحوسة التي أوقعتني في الخطر ، وهي الرغبة في الإغتراب من خواص النصارى الطبيعية ، وأما الدريعي فلم يكن يخاف من الموت ، ولكنه كان لا يصبر على الحبس والغصب ، وكان يتمشى في سجنه طولا وعرضا ، كما يتمشى الأسد الأسير أمام حدائد قفصه ، ثم قال : والله لقد طالت هذه الحال ،
__________________
(١) عبارة الصايغ : «أبو السلام ، من أحد مدبّري الوهّابي».
(٢) عبارة الصايغ : «أبو السلام ، من أحد مدبّري الوهّابي».