أريد أن أخلص ، أريد أن أخاطب ابن سعود وألومه بخيانته وغدره ، فإني أرى الصبر لا منفعة فيه ، وعلى كل حال إن متّ متّ موت الشريف الأنيف.
فبعث خلف أبي السلم ولما دخل إليه قال له : ارجع إلى سيدك وقل له : أني أقسم عليك بذمة العرب أن تسمع كلامي ، ثم بعد ذلك افعل ما شئت.
فأذن له في المقابلة ، فأدخلنا أبو السلم عليه ، فعند ذلك لم يأمرنا بالجلوس ، بل استمررنا على الوقوف (١). ولما سلم الدريعي عليه لم يرد السلام ، بل قال له بغلظة : ما تبغي؟
فاستقام الدريعي استقامة الأنيف وقال : جئتك يا ابن سعود معتمدا على وفاء عهدك وصدق مواعيدك ولم آخذ معي إلا عشرة رجال ، وأنا أحكم على ألوف من الناس. وقد صرت الآن بلا حماية في يديك وأنت داخل مملكتك ، فإن شئت سحقتنا ودققتنا تحت الرحا ، لكن اعلم أنه ما من لابس كوفية من حدود الهند إلى حدود نجد ، ومن بلاد العجم والبصرة والعراق والجزيرة إلى الحماد والشامين وحوران والجليل إلا ويطلب منك دمي ويأخذ منك ثأري ، وإن كنت ملك العرب كما تدعي ، فكيف هانت نفسك وملت إلى الخيانة والغدر وهما من صفات الترك لا من صفات العرب. فإن القوي الشجاع تكبر نفسه وتستنكف عن الغدر ، وإنما يستعمله الضعيف الجبان ، ثم أنك تفتخر بجنودك وجيوشك وتزعم أن مملكتك من عند الله ، فإن كان حسبما تقول. وتحب محافظة مجدك ، فدعني أذهب إلى بلادي ثم قاتلني ، وإن كان الله مع جيشك فلا بدّ أن يقهر جيشي ، ولكنك إن غدرت بي فنصيبك العار ، ونتيجة العار استخفاف الناس ونتيجة استخفاف الناس انقراض الملك. هذا ما لزم ذكره لك ، والآن افعل ما شئت ، ثم تندم حيث لا ينفع الندم ، فلست أنا إلا واحدا من ألف ، لا ينقص فقدي قبيلتي ولا يغيب من الدنيا آل شعلان ، فيخلفني ابني سهن (٢) ، وهو الذي سيجيء ليأخذ حق دمي ، وحق دمي دم ، فقد انذرتك فافتح عينيك.
وبينما يخاطبه بهذا الكلام كان يكرم لحيته ويهدي غضبه ، ثم قال للدريعي بعد سكون : اذهب بسلام لا يعتريك إلّا خير ، فانصرفنا.
__________________
(١) عبارة الصايغ : «فحضر ثاني أبو السلام وتوجهنا معه جميعنا فدخلنا وسلمنا حسب العوايد وجلسنا بآخر الناس».
(٢) الصايغ يكتب «سحن».