آدميا خير لك من العناد ، وأرجع بالرضى (١) ما أخذت من الطرش واكسب حالك ورجالك. وإن عاندت حسب طبعك ، لا تسأل عما سيجري عليك ، لا أرحل من أمامك حتى لا يبقى منكم من يخبر عنكم. ونحن قد أنذرناك فافعل لخلاصك. فراح الرسول وعاد بالجواب : يقول عابد ارجع له الفرسين (٢) والجمال التي أخذها منه سحن ذلك اليوم وهو ٢ / ٥٢ يرجع لكم ما أخذ منكم ، وأما (٣) لا تتأمل بصحبته معك كما في عقلك. /
فقلت للدريعي : أصحيح أن هؤلاء الناس جبناء؟ فقال : إنهم ليسوا فقط جبناء ولكن أحوالهم ومزاياهم عجيبة ، فهم أولا ينقادون لنسائهم ، في جميع أمورهم ، ويراجعونهن بالشور في كل مادة يريدون أن يفعلوها ، وهذا كان عندنا معلوما ، فمن جملة أطباع العربان ومزاياهم تكريم الحريم ، وعمل الواجب لهن ، وأخذ الشور منهن في جميع أفعالهم ، ولكن هذه القبيلة بزيادة عن غيرها ، وخصوصا شيخها عابد فهو لا يعمل شيئا من غير أمر حرمته لأن أولا هذا طبع خاص بالعرب كما ذكرنا ، ثانيا أنه يحبها بزيادة عن العادة ، ثالثا أنها صاحبة عقل وتدبير جيد. فجميع ذلك صار عندنا معلوما وفكرّنا أنه ليس لدينا عندهم مدخل إلا من طرف النساء (٤).
فحين فهمنا ذلك قال الشيخ إبراهيم : عرفت من أين يمكن الدخول على هذا القوم. قلت : نعم من باب النساء. قال : دبّر حالك. فتكلمت عندئذ مع الدريعي وقلت له : استرح أنت وعليّ قضاء هذا الغرض وإدخال هذا الرجل في اتحادنا. لأن الحرب لا يحصل منها إلا الخسارة ، وقتل الرجال ، وتبديد المال ، وزيادة العداوة ، وسفك الدماء ، وشماتة الأعداء. وأما أنا فمتحسن عندي أن أصل عندهم وأكلمهم بالذي يلهمني به الله. والرجاء بالله أن يحصل المطلوب ونكون بذلك وفّرّنا الرجال والتعب. وإن أنا لم أقدر على ذلك يكون عندك الوقت لتعمل ما تريده. ولم يسمح لي بذلك إلا من بعد جهد. فحالا أخذت معي هدايا من كهربا ومرجان وأساور زجاج وعبي سود وشملات حرير سود وقمصان قز حمر : أشياء بقيمة ألف غرش وتوجهت إلى طرفهم. فدخلت البيت فما وجدت عابدا
__________________
(١) «بالمليح».
(٢) «رأسين الخيل».
(٣) كذا ، والمعنى غير واضح. فهل يريد «وإلّا» كما يتبادر إلى الذهن أو يريد : «ولكن» فيستقيم المعنى.
(٤) في المخطوطة إشارة إلى أن هذا المقطع الذي بين خطين // ، المدرج ص ١ / ٥٧ ، يجب أن يؤخر ليوضع ص ٢ / ٥٨.