شفي ورجع كما كان أولا بل أحسن. فتعجب الشيخ إبراهيم وقال : لا يمكن أن يلتقى بباريس جراح (١) يشفي مثل هذا الإنسان بعشرين يوما.
ثم نمت العداوة وكثرت بيننا وبين عابد ، وصار يجمع العربان الذين هم تحت قيادته ، وحميت المادة جدا بين الطرفين. ثم رحلنا ونزلنا في أرض يقال لها الكافرية ، أرض رمل ما فيها ٢ / ٥٨ ماء إلا من نهر الخابور (٢) الذي كان بعيدا عنا نحو ساعتين من الزمن ، / فجميع المواشي ترد للشرب كل يوم بعد طلوع الشمس حتى تسرح في المرعى. وجميع ما يلزم من الماء للخيل والبيوت تنقلها النساء على ظهور الجمال بالروايا. وفي كل بيت يوجد راوية ، وفي بيوت الكبراء راويتان وثلاث روايا لأجل جلب الماء ، إذ كانوا في مكان ، وكان الماء بعيدا عنهم. وجميع الروايا كبار من جلود الجمال.
فبعد ثلاثة أيام من نزولنا في هذا المكان ، إذ رمت الرعيان الصوت على العرب ، وقامت الصيحة والضجة بالنزل. وكان السبب أن عرب الشرارات أغارت على الطرش ، وهو يشرب ، وأخذت منه عددا عظيما نحو ثماني مئة جمل. فركبت الخيل وسحن معهم وطلبوا أثر العدو ، فوصلوا إلى النهر فما وجدوا أحدا لأنهم كانوا قطعوا وراحوا وأبعدوا كثيرا. لأن النهر ، كما ذكرنا ، يبعد ساعتين [عن النزل] ، فاقتضى لمجيء الرعيان وأخبارهم بالغزو ساعتان ، ونحو ساعة لركوب العرب وجمعهم ، ونحو ساعة ركض إلى أن وصلوا إلى النهر فصار المجموع نحو أربع ساعات. ومن المعلوم أن الذين أخذوا الطرش أصبحوا بعيدين جدا فلا يمكن طلبهم كليا. فحالا نبه الدريعي بالرحيل والمشي بكامل العربان والبيوت على عرب الشرارات. فرحلنا نحن وقبائل الذين كانوا بالقرب منا من الأصحاب. وكان عددنا نحو عشرة آلاف بيت فجدينا بالسير كل ذلك النهار والليل ، وأصبحنا الصباح أمام نزل الشرارات. فنزلنا بعيدا عنهم نحو نصف ساعة. وكان عرب الشرارات ومن معهم من غير قبائل نحو ستة آلاف بيت أيضا (٣).
وبعد طلوع الشمس أرسل الدريعي رسولا (٤) إلى عابد يقول له : يا عابد ، كن
__________________
(١) «جريحاتي».
(٢) «الساجور».
(٣) كذا ، مع أنه سبق القول أن عدد بيوت الدريعي نحو عشرة آلاف.
(٤) «مرسال».