نستأصل محمدا. وقال مجاهد : (مِنْ فَوْقِكُمْ) ، يريد أهل نجد مع عيينة بن حصن ، و (مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ، يريد مكة وسائر تهامة ، وهو قول قريب من الأول. وقيل : إنما يراد ما يختص ببقعة المدينة ، أي نزلت طائفة في أعلى المدينة ، وطائفة في أسفلها ، وهذا قريب من القول الأول ، وقد يكون ذلك على معنى المبالغة ، أي جاءوكم من جميع الجهات ، كأنه قيل : إذ جاءوكم محيطين بكم ، كقوله : (يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) ، المعنى : يغشاهم محيطا بجميع أبدانهم. وزيغ الأبصار : ميلها عن مستوى نظرها ، فعل الواله الجزع. وقال الفراء : زاغت عن كل شيء ، فلم تلتفت إلا إلى عدوها. وبلوغ القلوب الحناجر : مبالغة في اضطرابها ووجيبها ، دون أن تنتقل من مقرها إلى الحنجرة. وقيل : بحت القلوب من شدة الفزع ، فيتصل وجيبها بالحنجرة ، فكأنها بلغتها. وقيل : يجد خشونة وقلبه يصعد علوا لينفصل ، فالبلوغ ليس حقيقة. وقيل : القلب عند الغضب يندفع ، وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة. وقيل : يفضي إلى أن يسد مخرج النفس ، فلا يقدر المرء أن يتنفس ، ويموت خوفا ، ومثله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) (٢). وقيل : إذا انتفخت الرئة من شدّة الفزع والغضب ، أو الغم الشديد ، ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، ومن ثم قيل للجبان ، انتفخ سحره. والظنون : جمع لما اختلفت متعلقاته ، وإن كان لا ينقاس عند من جمع المصدر إذا اختلفت متعلقاته ، وينقاس عند غيره ، وقد جاء الظنون جمعا في أشعارهم ، أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان :
إذا الجوزاء أردفت الثريا |
|
ظننت بآل فاطمة الظنونا |
فظن المؤمنون الخلص أن ما وعدهم الله من النصر حق ، وأنهم يستظهرون ؛ وظن الضعيف الإيمان مضطربه ، والمنافقون أن الرسول والمؤمنين سيغلبون ، وكل هؤلاء يشملهم الضمير في (وَتَظُنُّونَ). وقال الحسن : ظنوا ظنونا مختلفة ، ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون ، وظن المؤمنون أنهم يبتلون. وقال ابن عطية : أي يكادون يضطربون ، ويقولون : ما هذا الخلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين ، لا يمكن البشر دفعها. وأما المنافقون فعجلوا ونطقوا. وقال الزمخشري : ظن المؤمنون الثبت القلوب بالله أن يبتليهم ويفتنهم ، فخافوا الزلل وضعف الاحتمال ؛ والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون ظنوا بالله ما حكى عنهم ، وكتب : الظنونا والرسولا والسبيلا في المصحف بالألف ، فحذفها حمزة وأبو عمرو وقفا ووصلا ؛ وابن كثير ،
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٥.
(٢) سورة غافر : ٤٠ / ١٨.