مودة ، أي اتخذتم الأوثان بسبب المودة بينكم ، على حذف المضاف ، أو اتخذتموها مودّة بينكم ، كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (١) ، أو مما تعدت إلى واحد ، وانتصب مودة على أنه مفعول له ، أي ليتوادوا ويتواصلوا ويجتمعوا على عبادتها ، كما يجتمع ناس على مذهب ، فيقع التحاب بينهم. وذكروا عن ابن مسعود قراءة شاذة تخالف سواد المصحف ، مع أنه قد روي عنه ما في سواد المصحف بالنقل الصحيح المستفيض ، فلذلك لم أذكر تلك القراءة. (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يقع بينكم التلاعن ، أي فيلاعن العبدة والمعبودات الأصنام ، كقوله : و (يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (٢). و (بَيْنِكُمْ) ، و (فِي الْحَياةِ) : يجوز تعليقهما بلفظ مودة وعمل في ظرفين لاختلافهما ، إذ هما ظرفا مكان وزمان ، ويجوز أن يتعلقا بمحذوفين ، فيكونان في موضع الصفة ، أي كائنة بينكم في الحياة في موضع الحال من الضمير المستكن في بينكم. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق (فِي الْحَياةِ). باتخذتم على جعل ما كافة ونصب مودة ، لا على جعل ما موصولة بمعنى الذي ، أو مصدرية ورفع موده ، لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر. وأجاز قوم منهم ابن عطية أن يتعلق (فِي الْحَياةِ) بمودة ، وأن يكون (بَيْنِكُمْ) صفة لمودة ، وهو لا يجوز ، لأن المصدر إذا وصف قبل أخذ متعلقاته لا يعمل ، وشبهتهم في هذا أنه يتسع في الظرف ، بخلاف المفعول به. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق بنفس بينكم ، قال : لأن معناه : اجتماعكم أو وصلكم. وأجاز أيضا أن يجعله حالا من بينكم ، قال : لتعرفه بالإضافة. انتهى ، وهما إعرابان لا يتعقلان.
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) : لم يؤمن بإبراهيم أحد من قومه إلا لوط عليهالسلام ، حين رأى النار لم تحرقه ، وكان ابن أخي سارة ، أو كانت بنت عمه. والضمير في (وَقالَ) عائد على إبراهيم ، وهو الظاهر ، ليتناسق مع قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) ، وهو قول قتادة والنخعي. وقالت فرقة : يعود على لوط ، وهاجر ، وإبراهيم ، عليهمالسلام ، من قريتهما كوثى ، وهي في سواد العراق ، من أرض بابل ، إلى فلسطين من أرض الشام. وكان إبراهيم ابن خمس وسبعين سنة ، وهو أول من هاجر في الله. وقال ابن جريج : هاجر إلى حران ، ثم إلى الشام ، وفي هجرته هذه كانت معه سارة. والمهاجر : الفارغ عن الشيء ، وهو في عرف الشريعة : من ترك وطنه رغبة في رضا الله. وعرف بهذا الاسم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، المهاجرون ، قبل فتح مكة. (إِلى رَبِّي) ، أي إلى الجهة التي أمرني ربي بالهجرة إليها.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦٥.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٨٢.