سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ، إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ، وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
لما أمرهم بعبادة الله ، وبين سفههم في عبادة الأوثان ، وظهرت حجته عليهم ، رجعوا إلى الغلبة ، فجعلوا القائم مقام جوابه فيما أمرهم به قولهم : (اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ). والآمرون بذلك ، إما بعضهم لبعض ، أو كبراؤهم قالوا لأتباعهم : اقتلوه ، فتستريحوا منه عاجلا ، أو حرّقوه بالنار ؛ فإما أن يرجع إلى دينكم ، إذا أمضته النار ؛ وإما أن يموت بها ، إن أصر على قوله ودينه. وفي الكلام حذف ، أي حرّقوه في النار ، (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ). وتقدمت قصته في تحريقه في سورة (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) (١). وجمع هنا فقال : الآيات ، لأن الإنجاء من النار ، وجعلها بردا وسلاما ، وأنها في الحبل الذي كانوا أوثقوه به دون الجسم ، وإن صح ما نقل من أن مكانها ، حالة الرمي ، صار بستانا يانعا ، هو مجموع آيات ، فناسب الجمع ، بخلاف الإنجاء من السفينة ، فإنه آية واحدة ، وتقدم الكلام على ذلك ، وفي ذلك إشارة من النار بعد إلقائه ؛ فيما قال كعب : لم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه به. وجاء هنا الترديد بين قتله وإحراقه ، فقد يكون ذلك من قائلين : ناس أشاروا بالقتل ، وناس أشاروا بالإحراق. وفي اقترب قالوا : (حَرِّقُوهُ) (٢) اقتصروا على أحد الشيئين ، وهو الذي فعلوه ، رموه في النار ولم يقتلوه.
وقرأ الجمهور : (جَوابَ) ، بالنصب ؛ والحسن ، وسالم الأفطس : بالرفع ، اسما لكان. وقرأ الحسن ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة ، وأبو عمرو في رواية الأصمعي ، والأعمش عن أبي بكر : مودة بالرفع ، وبينكم بالنصب. فالرفع على خبر إن ، وما موصولة بمعنى الذي ، أي إن الأوثان التي اتخذتموها مودودا ، أو سبب مودة ، أو مصدرية ، أي إن اتخاذكم أوثانا مودة ، أو على خبر مبتدأ محذوف ، أي هي مودة بينكم ، وما إذ ذاك مهيئة. وروي عن عاصم : مودة ، بالرفع من غير تنوين ؛ وبينكم بالفتح ، أي بفتح النون ، جعله مبنيا لإضافته إلى مبني ، وهو موضع خفض بالإضافة ، ولذلك سقط التنوين من مودة. وقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وابن كثير : كذلك ، إلا أنه خفض نون بينكم. وقرأ ابن عامر ، وعاصم : بنصب مودة منونا ونصب بينكم ؛ وحمزة كذلك ، إلا أنه أضاف مودة إلى بينكم وخفض ، كما في قراءة من نصب مودّة مهيئة. واتخذ ، يحتمل أن يكون مما تعدت إلى اثنين ، والثاني هو
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٨.