تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) ( الجن : ٢٤ ـ ٢٧ ).
إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في هذه الآيات كما نرى ـ ينفي عن نفسه العلم بموعد القيامة لأنّ العلم بذلك من مختصاته سبحانه كما تصرح هذه الآيات.
وأمّا الآية السابعة أعني قوله : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة ـ ١٠٩ ) فقد استدل بها على نفي علم الغيب عن الأنبياء لأنّهم ينفون عن أنفسهم أي شكل من أشكال الغيب ويصفون الله بأنّه : ( علاّم الغيوب ) ولكن الاجابة عن الاستدلال واضحة بعد معرفة موارد استعمال « لا » النافية للجنس ، فإنّها وإن كانت لنفي الجنس ولكنّها تأتي على وجهين :
١. نفي الجنس حقيقة وبصورة واقعية مثل قولنا : « لا إله إلاّ الله » وقوله سبحانه : ( وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( الأنعام ـ ٥٩ ) وقولنا : لا رجل في الدار ، حين لا يوجد رجل في الدار صغيراً كان أم كبيراً ، صحيحاً أم سقيماً.
٢. نفي الجنس على سبيل التجوز فتقول : « لا أحد هنا » حين يطرق الباب طارق فيسأل هل يوجد أحد هنا ؟ فرغم وجود شيخ كبير ، أو انسان لا طاقة له على الحركة في الدار ، ولكنّك تنفي وجود أحد في الدار مجازاً لأنّ ذلك الشيخ الكبير أو المريض لا يفيدان السائل بشيء ، فاعتبرت وجودهما كالعدم بالنسبة إلى السائل فنفيت الجنس مجازاً. ومن هذا القبيل كلمات الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام التي خاطب بها أصحابه المتخاذلين ، والذين كانوا يجعلون من الحر والبرد وسيلة للتقاعس عن ساحة الحرب والجلوس عن مجاهدة البغاة معاوية وأمثاله ، حيث قال : يا أشباه الرجال ولا رجال (١).
ونظير قوله عليهالسلام : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد ». والآية الكريمة من هذا القبيل ، فإنّ الأنبياء حين ما يقيسون علمهم المحدود الاكتسابي إلى علم الله تعالى اللامحدود واللامتناهي والذاتي ، يرون ضآلة ما عندهم من العلم تجاه ما عند الله
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ٢٦ طبع عبده.