١. ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ ) ( التوبة ـ ٧٣ ).
٢. ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلاً ) ( الأحزاب ـ ٤٨ ).
فهل يمكن أن يأمر الله نبيّه محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم بجهاد المنافقين والغلظة عليهم ثمّ لا يعرّفهم له طيلة عمره صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ إنّ هذه الآيات تدل ـ على سبيل الملازمة ـ على أنّ كتمان أمر بعض المنافقين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يك بصورة دائمية وإنّما كان حكماً مؤقتاً.
ويخاطب الله نبيّه أيضاً بقوله : ( وَلا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) ( التوبة ـ ٨٤ ) والآية نازلة في حق المنافقين انّ هذه الآيات وغيرها تحكي لنا معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمنافقين ، ولم يكن النبي وحده الذي يعرف المنافقين بل كان قد أودع أسماءهم وأوصافهم عند ( حذيفة ) (١) الصحابي الشهير. ومن هنا كان الخليفة الثاني لا يصلّي على أحد يشك في نفاقه إلاّ أن يسأل حذيفة عنه ، وهذا أمر مذكور في سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتاريخ الخلفاء والصحابة من بعده.
أمّا الآية السادسة أعني قوله سبحانه : ( فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ) ( الأنبياء ـ ١٠٩ ).
فالجواب عن الاستدلال بها واضح إذ البحث في أصل ثبوت علم الغيب للنبي والإمام لا في المقدار الذي يتحمّله صدر النبي أو الإمام من علم الغيب.
وإذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نفى في موضوع ما عن نفسه علم الغيب فإنّ ذلك لا يتنافى أبداً مع ما نحن فيه من اثبات علم الغيب له ، وهناك نقطة جديرة بالذكر في هذه
__________________
(١) راجع أسد الغابة ١ / ٣٩١ وسائر الكتب التي تترجم الصحابة ونص كلام ( اُسد الغابة ) كما يلي : « وحذيفة صاحب سر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنافقين لم يعلمهم أحداً إلاّ حذيفة أعلمهم له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسأله عمر : أفي عمّالي أحد من المنافقين ؟ قال : نعم ، أحد ، قال : من هو؟ قال : لا أذكره ، قال حذيفة : فعزله كأنّما دل عليه ، كان ( عمر بن الخطاب ) إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضره عمر.