الناس بشكلها الصحيح ، فبيّنها القرآن لهم بالشكل المطلوب الصحيح ، وفي الواقع كان الوحي هنا أحد طرق معرفة الغيب ، لا أنّ الغيب موضوع للوحي خاصة ، ولعلك لا تعثر في القرآن كلّه على موضع واحد اُطلق فيه لفظ الغيب واُريد منه الوحي فقط وإليك بعض النماذج :
( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( البقرة ـ ٣٣ ) ، ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) ( الأنعام ـ ٥٩ ) ، ( أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المُهِينِ ) ( سبأ ـ ١٤ ) (١).
٢. إنّ كلمة ( الغيب ) في قوله سبحانه : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ) ( الجن ـ ٢٦ ) بمعنى الاُمور الغائبة عن الحس كما قدمناه وليست بمعنى الوحي كالقرآن مثلاً ، وذلك لأنّ الآية السابقة (٢) قد عرضت موضوع اطّلاع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على موعد القيامة وكانت الآية قد نفت ـ بلسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مثل هذا الاطّلاع عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحين يأتي بعد هذا النفي المباشر قوله سبحانه : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ).
يكون موضوع القيامة داخلاً في اطار كلمة ( الغيب ) المستعملة في الآية أيضاً وتكون الآية الأخيرة بمثابة تعليل لما تقدم في الآية السابقة من نفي العلم بموعد القيامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بجعلها من علم الغيب المختص بالله سبحانه ولا يمكننا بعد ذلك تفسير ( الغيب ) في الآية بخصوص الوحي ، لأنّ سياق الآية يمنع من إخراج العلم بموعد القيامة عن مورد الآية. وإذا كان العلم بموعد القيامة ممّا تتضمنه الآية أيضاً حسب السياق ، لا يمكننا استثناء سائر المواضيع الغيبية من هذه الآية ، وحينئذ يكون معنى الآية كما يلي :
( أنّ الله عَالِمُ الْغَيْبِ ـ كل من غاب عن الحس من وحي وغيره ـ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ). وتكون الآية دليلاً واضحاً على اطّلاع
__________________
(١) راجع المعجم المفهرس.
(٢) تقول الآية السابقة : ( حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ ... ).