والاُخت ، لاشتراك
الجميع معهما في المناط والملاك ـ وهو كونها مركبة تركيب اضافة وحصول الالتباس لو
اُلحقت بصدرها.
وثالثاً : إنّ الله وصف نبيّه في الآية
بصفات تناسب موضوع النبوّة ، فلو كان الاُمّي فيها بالمعنى الذي أوضحناه ، لتلاءم
الكلام ، وتكون تلك الصفة هادفة إلى آية نبوّته وبرهان رسالته ، لأنّه مع كونه
اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب ، أتى بشريعة كافلة لسعادة الناس وسيادتهم وجاء بكتاب
فيه هدى ونور ، وتضمن من الحقائق والمعارف ما لا يقف عليه حتى الأوحدي من الناس
فضلاً عمّن لم يقرأ ولم يكتب ، وهذا برهان رسالته ودليل صلته بالله وكونه مبعوثاً
ومؤيداً منه تعالى.
ولو كان المراد منه ما زعمه القائل من
كونه مكياً وأنّه وليد ذلك البلد ، لكان الاتيان به في ثنايا تلك الأوصاف والخصال
اقحاماً بلا وجه واقتضاباً بلا جهة.
وإن شئت قلت : لو كان المراد من الاُمي
ما ذكرناه لكان فيه إشارة إلى أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع كونه باقياً على الحالة التي ولد عليها ، قد أتى بكتاب عجز الناس عن تحدّيه ،
وكلّ البلغاء عن معارضته ، وخرس الفصحاء لديه ، مضافاً إلى ما فيه من المعارف
الالهية والحقائق العلمية والدساتير والقوانين الاجتماعية والاقتصادية في شؤون
الحياة الانسانية ومسائلها المعقدة ، وهذا دليل على صدق دعوته ، وأنّه مبعوث من
عنده تعالى ، وهذه النكتة تفوتنا إذا فسرناه بأنّه مكي ووليد الحرم والبلد الأمين
إذ ليس في كونه مكياً أي امتياز حتى ينوّه به.
وإلى ما ذكرنا يشير قوله عزّ وجلّ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ
رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
) ( الجمعة ـ ٢
).
فإنّ توصيف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه منهم ( أي من الاُمّيين )
للاشارة إلى أنّه مع كونه اُمّياً مثلهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ، وما ذلك إلاّ
لكونه مؤيداً منه تعالى بروح تعاضده وموجهاً بتوجيهه لارتقاء تلكم المدارج ،
فالآية من قبيل اتيان الشيء ببيّنته وبرهانه.