ويقف على تلك الإشارات كل من أمعن النظر في مضامينها ونذكر في المقام بعض الآيات :
١. ( أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( الأنعام ١١٤ ـ ١١٥ ).
ودلالة قوله سبحانه : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) على إيصاد باب الوحي وانقطاعه إلى يوم القيامة وتمامية الشرائع النازلة من الله سبحانه طوال قرون إلى سفرائه ، واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة في القرآن.
إن « الكلمة » في القرآن قد استعملت في معان أو في مصاديق مختلفة بمعنى واحد جامع واسع ، حتى استعملت في العين الخارجي.
قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) ( آل عمران ـ ٤٥ ) كما استعملت في القضاء والوعد القطعي قال سبحانه : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ( هود ـ ١١٩ ) إلى غير ذلك.
لكن المراد منها في الآية هو الدعوة الإسلامية أو القرآن الكريم ، وما فيه من شرائع وأحكام ، والشاهد عليه الآية المتقدمة حيث قال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ ) فالمراد من قوله : ( أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ ) هو القرآن النازل على العالمين ، ثم يقول : بأنّ الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلصوا عن الهوى ، يعلمون أنّ القرآن وحي إلهي كالتوراة والأنجيل وأنّه منزل من الله سبحانه بالحق ، فلا يصح لأي منصف أن يتردد في كونه نازلاً منه إلى هداية الناس.
ثم يقول في الآية التالية : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) بظهور الدعوى المحمدية ، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب وصارت مستقرة في محلها بعد ما كانت تسير دهراً