كانت إدارتها جميعا متحدة فيصرف من دخل الغني على الفقير لأنهما من نوع واحد ، وبذلك تيسرت سهولة الإصلاح. ثم إنه في آخر كل أسبوع يقدّم الوكلاء حساباتهم ويوردون للخزينة العموميّة كل ما زاد عندهم من الإيراد على المصروفات الضرورية ، وهذه الخزينة لها ثلاثة مفاتيح اثنان منها يبقيان بطرف أمين المال والثالث يحفظ عند الرئيس ولا تفتح إلّا بحضور الجميع ، ثم إن جميع أماكن الأوقاف لا يحصل تأجيرها إلّا بعد الإعلان والمزايدة علنا بمحضر القاضي ثم إن أموال الأوقاف أول ما يقام منها الوقف والموقوف عليه حسب نص الواقف ويقدّم الأهم على المهم وجميع مداولات المجلس ودفاتر الإيراد والصرف في الخزينة العمومية ، يمضيها جميع الأعضاء مع الرئيس يوميّا ، وكان يصرف من فواضل الأوقاف على الأوقاف الّتي لم يحضرها دخلها وذلك على وجه القرض ولمّا يحضر مالها تعيد ما استقرضته للخزينة العموميّة ، ثم يدفع منها جميع مرتبات الحكام الشرعيين من قضاة ومفتيين في جميع المملكة والسادة الأشراف ، ويدفع منها مصروفات نظارة المعارف من موظفيها ومرتبات مدرسي جامع الزيتونة ومصروفات دواوين الشريعة المطهرة ، ومصروفات المجلس البلدي بحاضرة تونس وإصلاح الطرقات وتنظيفها وإقامة الجسور والقناطر ، ومصروفات المستشفى والمكتبة العموميّة وغير ذلك من مصاريف بعض المهمات الّتي تحدث أحيانا وترجع إلى مصلحة عموميّة إن كان في الفواضل ما يوفي بها ، وبسبب إجراء قوانين الأوقاف حقيقة بدون محاباة تحسن حالها وزادت إيرادتها حتّى بلغت في السنة الخامسة من وجود هذه الإدارة مليونين ومائة وخمسين ألف ريالا ونيفا ، وكانت في السنة الأولى مليونا واحدا ومائتي ألف ريال ونيفا ، زيادة على ما ظهر من الأوقاف الّتي كانت تلاشتها أيدي العدوان حتّى بلغت إلى مئات من قطع الأراضي والدكاكين والبيوت وآلاف من شجر الزيتون كما هو مبسوط في العدد ١٨ من الرائد التونسي سنة ١٢٩٧ ه وظهرت أوجه من الموقوف عليه لم تكن في الحسبان كالوقف على تنوير الأماكن المظلمة في الليل والوقف على التقاط العقارب إلى غير ذلك من أوجه البر.
وقد التزم الرئيس أن يفرغ جهده لإصلاح هذه الإدارة المستجدّة وتدريب عمالها على العمل حسب المرغوب حتّى التزم في أول الأمر أن يباشر جميع الأعمال بنفسه جزئيّة وكليّة ليلا ونهارا واستمر على ذلك مدة طرأ عليه في أثنائها مرض عصبي لم يفارقه إلى أن قضى عليه ، وكان ابتداء المرض في صيف سنة ١٢٩٢ ه وبسبب هذا المرض عزم على السفر للتداوي في أوربا فسافر إليها في شوال سنة ١٢٩٢ ه وكان ذلك سببا لكتابته «صفوة الإعتبار». ولم تكن هذه الرحلة أول تأليف له بل قد سبق له كتابة رسالة سماها «تحفة الخواص في حل صيد بندق الرصاص» ، ومضمونها احتواه عنوانها وسبب تأليفها الخلاف الحاصل بين بعض العلماء في حل أكل الصيد المذكور من عدمه ، وألف أيضا في أول نشأته مجموعا مختصرا مفيدا في فن العروض وذلك عند بداية تعاطيه لنظم القريض ، وحرّر