مسألة فقهيّة في جواز إسدال شعر الرأس وسببها أن الأمير أمر رجال حكومته بإسدال شعرهم وكانوا يحلقونه فاستفتى في جواز ذلك من عدمه واختلفت فتاوى العلماء خشية القول بالتشبه بالإفرنج فكتب المرحوم رسالته بالجواز مستندا على عمل النبي صلىاللهعليهوسلم.
وفي تلك السنة أي سنة ١٢٩٢ ه افتتحت في تونس أول مدرسة على حسب النظام الجديد المتبع في أوروبا سميت المدرسة الصادقيّة نسبة للأمير فكان المرحوم من أعضاء اللجنة الّتي رتبت نظاماتها واهتم كثيرا بإقناع الناس على إدخال أبنائهم فيها وكان هو من أول العاملين بقوله فجعل ابنه كاتب هذه الأسطر من جملة تلامذتها ، وقد حصل في بداية الأمر نفور الناس منها إذ أن العادة جرت بنفرة غير المألوف ولم تزل تلك المدرسة ناشرة فوائدها بين التونسيين وأكثر المتولين مناصب الحكومة بتونس الآن هم من الشبان الذين تغذوا بلبان معارفها.
وفي ١٠ جمادي الثانية سنة ١٢٩٢ ه عهدت إليه نظارة مطبعة الحكومة فنظمها وأصلح شأنها وأصدر الرائد التونسي (الجريدة الرسميّة) في مواعيده المعينة كل أسبوع مرة وكان لا يصدر إلّا بحسب التيسير ، ولما كان الرائد التونسي هو الجريدة الوحيدة الّتي تصدر في تونس بذل كل ما في وسعه لجعله مفيدا لبني وطنه ، واستعان على تحريره بجهابذة أعلام كالشيخ حمزة فتح الله المصري ، والشيخ محمّد السنوسي التونسي. ونشرت فيه مقالات رنانة حاثة على الجامعة والوحدة والعدل والإئتلاف لا سيما زمن الحرب بين الدولة العليّة والروسيا ، وقد قسم المرحوم وقته فكان يتوجه لإدارة الأوقاف صباح كل يوم ويتوجه للمطبعة بعد الظهر. وفي تلك الأثناء نظم المكتبة الصادقية بإزاء جامع الزيتونة وهي مكتبة جمعت آلافا من الكتب النفيسة في كل فن ، تبرع بجانب عظيم منها الوزير خير الدين باشا وأكثرها كتب استولت عليها الحكومة من مملوكات الوزير القديم مصطفى خزندار ، وجعلها مفتوحة للمطالعة واستفادة العموم في جميع أوقات النهار بشرط أن لا يخرج منها كتاب وجميع مصاريف هذه المكتبة تحملت بها إدارة الأوقاف على ما مرّ بيانه.
وفي سنة ١٢٩٣ ه لما ظهرت الحرب بين الدولة العليّة والصرب بذل صاحب الترجمة غاية مجهوده لمساعدة الدولة بالمال والخيل والبغال حيث لم تتيسر مساعدتها بالرجال لأسباب سياسيّة وموانع محليّة ، وقد نشر صاحب جريدة الجوائب الصادرة بالأستانة قصيدة لصاحب الترجمة في الحث على التعاون والإئتلاف عند تلك المناسبة قال فيها :
يا أمة الإسلام صونوا عزكم |
|
بتعاضد وتمدن وتنافس |
يا أمة الإسلام أحيوا ذكركم |
|
بتآلف وتودّد وتآنس |
يا أمة الإسلام نمّوا صيتكم |
|
بمعارف وصنائع ومجالس |
يا أمة الإسلام حوطوا أمركم |
|
بتشاور وتدبر وحوارس |
يا أمة الإسلام أجلوا فخركم |
|
بديانة قد سترت بحنادس |