عيسى بن كيسان ، عن من حدّثه عن عمير بن الحباب السّلمي قال :
أسرت أنا وثمانية معي في زمان بني أمية ، فأدخلنا على ملك الروم ، فأمر بأصحابي فضربت رقابهم ، ثم إنّي قرّبت لضرب عنقي ، فقام إليه بعض البطارقة ، فلم يزل يقبّل رأسه ورجليه ويطلب إليه حتى وهبني له ، فانطلق بي إلى منزله ، فدعا ابنة له جميلة ـ وكان عمير بن الحباب رجلا جميلا نبيلا ـ فقال له البطريق : هذه ابنتي أزوّجك بها وأقاسمك مالي ، وقد رأيت منزلتي من الملك ، فادخل في ديني حتى أفعل بك هذا ، فقلت : ما أترك ديني لزوجة ولا لدنيا.
قال : فمكث أياما يعرض عليّ ذلك ، وآبى ، فدعتني ابنته ذات ليلة إلى بستان لها ، فقالت (١) : ما يمنعك مما عرض عليك أبي؟ يزوّجني منك ويقاسمك ماله ، وقد رأيت منزلته من الملك وتدخل في دينه ، فقلت : ما أترك ديني لامرأة ولا لشيء ، قالت : فتحبّ المكث عندنا أو اللحاق ببلادك؟ فقلت : الذهاب إلى بلادي.
قال : فأرتني نجما في السماء ، قالت : سر على هذا النجم بالليل ، واكمن بالنهار ، فإنه يلقيك إلى بلادك ؛ ثم زوّدتني وانطلقت ، فسرت ثلاث ليال ، أسير في الليل وأكمن في النهار.
قال : فبينا أنا اليوم الرابع مكمن فإذا الخيل ، قال : فقلت : طلبت ، قال : فأشرفوا عليّ ، فإذا أنا بأصحابي المقتولين على دوابّ ، معهم آخرون على دوابّ شهب ، قال : فقالوا :
عمير؟ فقلت : أوليس قد قتلتم؟ قالوا : بلى ، ولكن الله تعالى نشر الشهداء ، وأذن لهم أن يشهدوا جنازة عمر بن عبد العزيز ، قال : فقال لي بعض (٢) الذين معهم ناولني يدك يا عمير ، فناولته يدي ، فأردفني ، ثم سرنا يسيرا ، ثم قذف بي قذفة وقعت قرب منزلي من غير أن يكون لحقني شيء.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو صادق محمّد بن أحمد بن جعفر ، أنا أحمد بن محمّد بن زنجويه ، أنا أبو أحمد العسكري قال :
فأما الحباب الحاء غير معجمة ، وتحت الباء نقطة واحدة ، فمنهم : عمير بن الحباب السلمي ، أحد فرسان العرب المشهورين بالنجدة ، وله أخبار مع عبد الملك بن مروان ، ولا
__________________
(١) الأصل وم : فقال.
(٢) الأصل وم : «فقال يقال لبعض» والمثبت عن المختصر.