للقاء السلطان ، فدخلتها فلمّا كان يوم وعد السلطان أمر الناس أن يركبوا الميدان ، فلمّا كان من الغد ركب الناس في غلائل القصب (١) بأيديهم المراوح ، وركب أبو الحسن عليهالسلام على زيّ الشتاء وعليه لبّادة وبرنس وسرجه نجناق طويل وقد عقد ذنب دابّته والناس يهزؤون به وهو يقول : ألا (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)(٢) ، فلمّا توسّطوا الصحراء وجاؤوا بين الحائطين ارتفعت سحابة وأرخت السماء عزاليها وخاضت الدوابّ إلى الركب في الطين ولوثتهم أذنابهم فرجعوا في أقبح زيّ ورجع أبو الحسن عليّ بن محمّد في أحسن زيّ ولم يصبه شيء ممّا أصابهم ، فقلت : إذا كان الله عزوجل اطّلعه على هذا السرّ فهو حجّة.
وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن المعتمد في الأصول قال : قال عليّ بن مهزيار : وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلّا أنّه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى أبي الحسن لبّادة (٣) وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب الفرس والناس يتعجّبون منه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدنيّ وما قد فعل بنفسه ، فقلت في نفسي : لو كان هذا إماما ما فعل هذا ، فلمّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلّا ابتلّ حتّى عزق بالمطر ، وعاد عليهالسلام وهو سالم من جميعه ، فقلت في نفسي : يوشك أن يكون هو الإمام ، ثمّ قلت : أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، فقلت في نفسي : إن كشف وجهه فهو الإمام ، فلمّا قرب منّي كشف
__________________
(١) الغلائل الدروع والقصب ـ محرّكة ـ ما كان مستطيلا من الجواهر والثياب الناعمة من الكتان والدرّ الرطب والزبرجد الرطب المرصّع بالياقوت ، والمراد هنا الدروع المرصّعة بأنواع الجواهر. و «خناق» ككتاب الحبل يخنق به. «عزاليها» واحدها العزلاء مصبّ الماء من الرواية كناية عن شدّة المطر.
(٢) هود : ٨١.
(٣) لبّادة كرمّانة قباء من لبود أو كلّ ما يلبس منه للوقاية من المطر. و «تجفاف» ـ بكسر التاء ـ آلة للحرب يلبسها الفرس والإنسان ليقيه في الحرب ، والمراد به هنا ما يقي الفرس من البرد.