منها راكبا ، فاستقبلته وسلّمت عليه ، فقال : امض بنا إذا شئت ، فمضيت معه حتّى خرجنا من المدينة ، فلمّا أصحرنا التفتّ إلى غلامه وقال : إذهب فانظر في أوائل العسكر ، ثمّ قال : انزل بنا يا أبا هاشم. قال : فنزلت وفي نفسي أن أسأله شيئا وأنا أستحي منه ، فعمل بسوطه في الأرض خطّا فنظرت فإذا نقرة صافية فيها أربعمائة مثقال. فقلت : بأبي أنت وأمّي لقد كنت شديد الحاجة إليها.
ومن زهده وعبادته عليهالسلام
ما أورده اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة ٢٥٤ ، قال : وفيها توفّي أبو الحسن عليّ الهادي ابن محمّد الجواد رضياللهعنهما ، عاش أربعين سنة وكان متعبّدا فقيها إماما ، وكان قد سعي به إلى المتوكّل ، وقيل له : إنّ في منزله سلاحا وكتبا ، فأوهموه أنّه يطلب الخلافة ، فوجّه من هجم عليه ، فهجموا على منزله فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة ليس بينه وبين الأرض بساط إلّا الرمل والحصى وهو يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فحمل إليه على الصفة المذكورة ، فلمّا رآه عظّمه وأجلسه إلى جنبه ، وكان المتوكّل يشرب وفي يده كأس ، فناوله الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي وعظمي منه ، فعفاه ، فقال : أنشدني شعر استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية في الشعر ، قال : لا بدّ أن تنشدني ، فأنشده (الأبيات الآتية في محلّها).
قال : فأشفق من حضر على العسكريّ وظنّوا أنّ بادرة تبدر عليه ، فبكى المتوكّل بكاء طويلا حتّى بلّت دموعه لحيته وبكى من حضره ثمّ أمر برفع الشراب وقال : يا أبا الحسن ، أعليك دين؟ قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها إليه وردّه إلى منزله مكرّما.