فأقبل إليّ فقال عليهالسلام : يا أحمد ، لا يعظم عليك ما رأيت إنّما أعطى الله محمّدا وآل محمّد أكثر ممّا أعطى داود وآل داود ، قلت : صدقت يابن رسول الله ، فما قال لك وما قلت له؟ فقال : قال لي الفرس : قم فاركب إلى البيت حتّى تفرّج عنّي ، قلت : ما هذا القلق؟ قال : قد تعبت ، قلت : لي حاجة أريد أن أكتب كتابا إلى المدينة فإذا فرغت ركبتك ، قال : إنّي أريد أن أروث وأبول وأكره أن أفعل ذلك بين يديك ، فقلت : اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ثمّ عد إلى مكانك ، ففعل الذي رأيت ثمّ أقبل بالدواة والقرطاس وقد غابت الشمس فوضعها بين يديه فأخذ في الكتابة حتّى اظلمّ فيما بيني وبينه فلم أرى الكتاب وظننت أنّه قد أصابه الذي أصابني ، فقلت للغلام : قم فهات شمعة من الدار حتّى يبصر مولاك كيف يكتب ، فهمّ الغلام ليمض ثمّ قال : ليس لي إلى ذلك حاجة ، ثمّ كتب كتابا طويلا إلى أن غابت الشمس ثمّ قطعه ، فقال للغلام : أصلحه ، فاخذ الغلام الكتاب وخرج إلى المفازة ليصلحه ثمّ عاد إليه وناوله ليختمه فختمه من غير أن ينظر في ختمه هل الخاتم مقلوب أو غير مقلوب ، فناولني الكتاب فأخذته فقمت لأذهب فعرض في قلبي أن أخرج من المفازة أصلّي قبل أن آتي المدينة ، فقال : يا أحمد ، صلّ المغرب والعشاء الآخرة في مسجد الرسول ثمّ اطلب الرجل في الروضة فإنّك توافيه إن شاء الله.
قال : فخرجت مبادرا فأتيت المسجد وقد نودي للعشاء الآخرة فصلّيت المغرب ثمّ صلّيت معهم العتمة وطلبت الرجل في الموضع الذي أمرني به فوجدته فأعطيته الكتاب فأخذه وفضّه ليقرأه فلم يستبن قرائته في ذلك الوقت ، فدعا بسراج فأخذته فقرأته عليه في السراج بالمسجد فإذا هو خطّ مستو ليس حرفا ملتصقا بحرف ، وإذا بخاتم مستو ليس بمقلوب ، فقال لي الرجل : عد إليّ غدا حتّى أكتب جواب الكتاب ، فعدت وقد كتب الجواب فأخذته فجئت به إليه ، فقال : أليس وجدت الرجل حيث قلت لك؟ قلت : نعم ، قال : أحسنت.