ما كانوا عليه ، فبلغ خبرهم إلى النبيّ والمسلمين فاختلفوا في تسمينهم بالإيمان ، فقال فريق من المسلمين : هم مؤمنون وإنّما أظهروا الكفر اضطرارا إليه ، وقال آخرون : بل هم كفّار وقد كانوا قادرين على الهجرة والإقامة على الإيمان ، واجتمعوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وكان أشراف القوم يريدون منه أن يحكم لهم بالإيمان لأرحام بينهم وبينهم ، فأحبّ رسول الله أن ينزل ما يوافق محبّة الأشراف إيثارا لتألّفهم ، فلمّا سألوه عن حالهم قال : يأتيني الوحي في ذلك ، فأنزل الله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ،) يريد أنّك لا تحكم وتسمّي وتشهد بالإيمان لمن أحببت لكنّ الله يحكم له ويسمّيه إذا كان مستحقّا له ، فهذان السببان قد وردا في نزول هذه الآية وكلاهما إنّما كان بعد موت أبي طالب لأنّها إن كانت نزلت يوم أحد فوقعة أحد كانت في شوّال سنة ثلاث من الهجرة على ما بيّنّاه ، وإن كانت نزلت في الذين تأخّروا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله على ما تقدّم القول فيه أيضا نزلت بعد موت أبي طالب لأنّ النبيّ هاجر من مكّة يوم الاثنين في شهر ربيع الآخر على رأس ثلاث سنين من متوفّى أبي طالب.
وأيضا هذه الآية إذا تأمّلها المنصف تبيّن له أنّ نزولها في أبي طالب باطل من وجوه :
أوّلا : إنّه لا يجوز في حكمة الله أن يكره أحدا من عباده على الهدى ولا يحبّ له الضلال كما لا يجوز في حكمته أن يأمر بالضلال وينهى عن الهدى والرشاد.
وثانيا : إنّه كان الله تعالى قد أخبر في كتابه أنّ النبيّ كان يحبّ عمّه أبا طالب في قوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فقد ثبت حينئذ أنّ أبا طالب كان مؤمنا لأنّ الله تعالى قد نهى عن حبّ الكافرين في قوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ