إيمانه عليهالسلام ما هذا لفظه : فلولا أنّه مصدّق بدينه لما رضي لابنيه أن يكونا معه وأن يصلّيا معه بل ولا كان يأمرهما بالصلاة فإنّ عداوة الدين أشدّ العداوة كما قيل :
كلّ العداوة قد ترجى إمانتها |
|
إلّا عداوة من عاداك في الدين |
ثمّ قال : وهذه الأخبار كلّها صريحة في أنّ قلبه طافح وممتلئ بإيمان.
وقال أيضا فخار بن معد : وأمّا ما ذكره المخالفون ورواه المتحاملون من أنّ النبيّ كان يحبّ عمّه أبا طالب ويريد منه أن يؤمن به وهو لا يجيبه إلى ذلك فأنزل الله تعالى في شأنه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(١) الآية ، فإنّه جهل بأسباب النزول وتحامل على عمّ الرسول لأنّ هذه الآية لنزولها عند أهل العلم سبب معروف وحديث مأثور وذلك أنّ النبيّ ضرب بحربة في خدّه يوم أحد فسقط إلى الأرض ثمّ قام وقد انكسرت رباعيّته والدم يسيل على حرّ وجهه ، فمسح وجهه ثمّ قال : اللهمّ أهد قومي فإنّهم لا يعلمون ، فأنزل الله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فنحوها إلى أبي طالب عليهالسلام تحاملا عليه وتوجيها للشبهة إليه ، ووقعة أحد كانت بعد هجرة النبيّ بثلاث سنين والهجرة كانت بعد موت أبي طالب بثلاث سنين وأربعة أشهر ، فيالله وللمسلمين نزلت على النبيّ صلىاللهعليهوآله آية على رأس ستّ سنين وأربعة أشهر من متوفّى أبي طالب في قوم مخصوصين فجعلوها فيه ليتمّ لهم ما يريدون من كفره ويستقيم لهم ما يبقون من شركه (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٢).
وقد روي لنزول الآية سبب آخر وهو أنّ قوما ممّا كانوا أظهروا الإسلام والإيمان بالنبيّ صلىاللهعليهوآله تأخّروا عند هجرته وأقاموا بمكّة وأظهروا الكفر والرجوع إلى
__________________
(١) القصص : ٥٦.
(٢) التوبة : ٣٢.