الناس أن يزيّنوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخايرهم ويخرجوا مشاة بين يديه وأن لا يركب أحد إلّا هو والفتح بن خاقان خاصّة بسرّ من رأى ، ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجاله وكان يوما قائظا شديد الحرّ ، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليّ بن محمّد وشقّ عليه ما لقي من الحرّ والزحمة.
قال زراقة : فأقبلت إليه وقلت له : يا سيّدي ، يعزّ والله عليّ ما تلقى من هذه الطغاة وما قد تكلّفته من المشقّة ، فأخذته بيده فتوكّأ عليّ وقال : يا زراقة ، ما ناقة صالح عند الله تعالى بأكرم منّي ـ أو قال : بأعظم قدرا منّي ـ ولم أزل أسايره وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكّل من الركوب وأمر الناس بالانصراف ، فقدمت إليهم دوابّهم فركبوا إلى منازلهم وقدمت بغلة له فركبها فركبت معه إلى داره فنزل فودّعته وانصرفت إلى داري.
ولولدي مؤدّب يتشيّع وكان من أهل العلم والفضل ، وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام ، فحضر عند ذلك وأجرينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكّل والفتح ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهالسلام وما سمعته من قوله : ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدرا منّي ، وكان المؤدّب يأكل معي ، فرفع يده وقال : بالله إنّك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له : والله إنّي سمعته يقوله ، فقال لي : اعلم أنّ المتوكّل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيّام ثمّ يهلك ، فانظر في أمرك واحرز ما تريد إحرازه وتأهّب لأمرك كي لا تهلك أموالك بهلاك هذا الرجل. فقلت : من أين لك ذلك؟ فقال : أما قرأت هذه الآية في قصّة الناقة : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)(١) ولا يجوز أن يبطل قول الإمام.
__________________
(١) هود : ٦٥.