وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ)(١) ـ فقال : لا بدّ أن تنشدني ، فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم |
|
غلب الرجال فما أغنتهم القلل |
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم |
|
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا |
|
أين الأسرّة والتيجان والحلل |
أين الوجوه التي كانت منعّمة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل |
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود تقتتل |
قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا |
وطال ما عمّروا دورا لتحصنهم |
|
وفارقوا الدور والأهلين وانتقلوا |
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا |
|
فخلّفوها إلى الأعداء وارتحلوا |
أضحت منازلهم قفرا معطّلة |
|
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا |
قال : فأشفق من حضر على عليّ بن محمّد وظنّوا أنّ بادرة تبدر منه إليه ، قال : والله لقد بكى المتوكّل بكاء طويلا حتّى بلّت دموعه لحيته ، وبكى من حضر ، ثمّ أمر برفع الشراب ، ثمّ قال له : يا أبا الحسن ، أعليك دين؟ قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها إليه وردّه إلى منزله من ساعته مكرّما.
١٨ : أمر المتوكّل بتسيير الإمام بين يديه ماشيا وهو راكب : روى السيّد الأجل عليّ بن طاوس في مهج الدعوات بالإسناد إلى زراقة حاجب المتوكّل ، قال زراقة حاجب المتوكّل ـ وكان شيعيّا ـ : إنّ المتوكّل لحظوة الفتح بن الخاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعا ودون ولده وأهله أراد أن يبيّن موضعه عندهم فأمر جميع أركان مملكته من الأشراف والوزراء والأمراء والقوّاد وساير العساكر ووجوه
__________________
(١) الدخان : ٢٥ ـ ٢٧.