القرب ورجعنا راحلين فلم نبعد أن عطشت وكان لي عند بعض غلماني كوز فضّة قد شدّه في منطقه فاستسقيته فلجلج لسانه بالكلام فنظرت فإذا هو قد نسي الكوز في الوادي الذي كنّا فيه ، فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع السير حتّى أشرفت على الوادي فرأيته جدبا يابسا قاعا لا ماء فيه ولا شجر ولا زرع ، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام ، فأخذته وانصرفت متعجّبا متفكّرا فيما رأيته ، فلمّا قربت من القوم والعسكر وجدته عليهالسلام ينتظرني ، فتبسّم إليّ ولم يقل لي شيئا.
أقول : ومن هذه الأخبار يعلم أنّ إخراج الروضات في الطريق كان متعدّدا ، ودلّ عليه صدر هذا الخبر حيث أنّه قال : ورأيت من دلائل أبي الحسن الأعاجيب في طريقنا ، منها ... الخ ، وفي الأخير منها استبصر يحيى بن هرثمة.
١٦ : نزوله عليهالسلام في خان الصعاليك : تقدّم في الجزء الأوّل ص ٢٤٥. ١٧ :
هجوم الأتراك داره ليلا وإحضاره عند المتوكّل : قال المسعودي في مروج الذهب : سعي بأبي الحسن عليّ بن محمّد إلى المتوكّل وقيل له : إنّ في منزله سلاحا وكتبا وغيرها ، فوجّه إليه ليلا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممّن في داره فوجد في بيت وحده مغلق عليه وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت إلّا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من صوف متوجّها إلى ربّه يترنّم أبيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما وجد عليه وحمل إلى المتوكّل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكّل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه عظّمه وأجلسه إلى جنبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلّل عليه بها ، فناوله المتوكّل الكأس التي كانت في يده ، فقال عليّ بن محمّد : يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحي ودمي قطّ فاعفني منه ، فأعفاه ، وقال : أنشدني شعر استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للأشعار ـ وقيل : قرأ هذه الآية : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ