أبغني شيئا فأتته بصحفة ، فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها : أطعميهم وأنا أسطح لهم ، فلم يزل حتى شبعوا ، وترك عندها فضل ذلك ، وقام وقمت معه ، فجعلت تقول : جزاك الله خيرا ، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين ، فيقول : قولي خيرا ، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله ، ثم تنحّى عنها ناحية ، ثم استقبلها فربض مربضا فقلت : [إن](١) لك شأنا غير هذا ، فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ، ثم ناموا وهدءوا ، فقال : يا أسلم إنّ الجوع أسهرهم وأبكاهم ، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر ، أنا أبو الحسن ، أنا أبو علي ، نا محمّد بن سعد (٢) ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي جهم قال :
قدم خالد بن عرفطة العذري على عمر فسأله عمّا وراءه ، فقال : يا أمير المؤمنين تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم ، ما وطئ أحد القادسية إلّا عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مائة ، وما من مولود يولد إلّا ألحق على مائة وجريبين كلّ شهر ذكرا كان أو أنثى ، وما يبلغ له (٣) ذكر إلّا ألحق على خمسمائة أو ستمائة ، فإذا خرج هذا لأهل بيت منهم من يأكل الطعام ، ومنهم من لا يأكل الطعام ، فما ظنّك به؟ فإنه لينفعه فيما ينبغي : وما لا ينبغي قال عمر : فالله المستعان ، إنّما هو حقهم أعطوه ، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه ، فلا تحمدنّي عليه؟ فإنه لو كان من مال الخطاب ما أعطيتموه ولكني قد علمت أنّ فيه فضلا ولا ينبغي أن أحبسه عنهم ، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنما فجعلها بسوادهم ، ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها فإني ، ويحك يا خالد بن عرفطة ، أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعدّ العطاء في زمانهم مالا ، فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه فيتكئون عليه ، فإنّ نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين ، وذلك لمّا طوّقني الله من أمرهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من مات غاشا لرعيّته لم يرخ رائحة الجنة» [٩٨١١].
قال : وأنا محمّد بن سعد (٤) ، أنا يزيد بن هارون ، أنا يزيد بن هارون ، أنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل ، حدّثني عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال :
__________________
(١) زيادة عن الطبري.
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
(٣) في ابن سعد : لنا.
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٣٠١.