قال له : يا أبا بكر ، قال : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : إنّي سائلك عن أمر فأسألك بالله لمّا صدّقتني عنه ، قال : إن كان علمه عندي ، قال : إنّك قد أدركت أمر بني أميّة وأمرنا ، فأسألك بالله أيّهما كان أقرب إلى الحقّ؟
قال يحيى : فقلت في نفسي : اللهمّ وفّقه وثبّته.
فأطال أبو بكر التفكّر في الجواب ، ثمّ قال له : يا أمير المؤمنين ، أمّا بنو أميّة فكانوا أنفع للناس منكم وأنتم أقوم بالصلاة منهم.
فجعل هارون يشير بيده ويقول : إنّ في الصلاة ، ثمّ خرج فتبعه الفضل بن ربيع فقال : يا أبا بكر ، إنّ أمير المؤمنين قد أمر لك بثلاثين ألفا ، فقال أبو بكر ، فما لقائدي؟ فضحك الفضل وقال : لقائدك خمسة آلاف.
قال يحيى : فأخذت الخمسة آلاف قبل أن يأخذ أبو بكر الثلاثين.
قال أبو بكر بن عيّاش : دخلت على هارون فسلّمت وجلست ، فدخل فتى من أحسن الناس وجها فسلّم وجلس ، فقال لي هارون : يا أبا بكر ، أتعرف هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا ابني محمّد ، أدع الله تعالى له. فقلت : يا أمير المؤمنين ، جعله الله أهلا لما جعلته له أهلا.
فسكت ، ثمّ قال : يا أبا بكر ، ألا تحدّثني ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، حدّثنا هشام بن حسان عن الحسين ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ الله فاتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإنّ عمّال ذلك الزمان في النار إلّا من اتّقى الله وأدّى الأمانة.
فانتفض هارون وتغيّر وقال : يا مسرور ، اكتب ، ثمّ سكت ساعة ، وقال : يا أبا بكر ، ألا تحدّثني ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، حدّثنا هشام بن حسّان ، عن الحسن قال : أتدري ما قال عمر بن الخطّاب للهروان؟ قال : وما قال له؟ قلت : قال له : ما يمنعك من حبّ المال وأنت كافر القلب ، طويل الأمل؟ قال : لأنّي قد علمت أنّ الذي لي سوف يأتيني ، والذي أخلّفه بعدي يكون وباله عليّ.