مساجدها المغتصبة المكرهة ، وفجع بحفظها الفيل الأفيل وأبرهة ، وانطلقت بذكر الله الألسنة المدرهة ، وفاز بسبق ميدانها جيادك الفرهة ، هذا وطاغية الروم على توفّر جموعه ، وهول مرئيه ومسموعه ، قريب جواره ، بحيث يتصل خواره ، وقد حرك إليها الحنين حواره.
«ثمّ نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذي أعيا النطاسيّ علاجه ، وكرك (٢) هذا القطر الذي لا تطاول أعلامه ولا تصاول أعلاجه ، وركاب الغارات التي تطوى المراحل إلى مكايدة المسلمين طي البرود ، وحجر الحيات التي لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود ، ومنغّص الورود في العذب المورود ، ومقضّ المضاجع ، وحلم الهاجع ، ومجهّر الحطب الفاجىء الفاجع ، ومستدرك فاتكة الراجع ، قبل هبوب الطائر الساجع ، حصن اشر (٣) حماه الله تعالى دعاء لا خبرا ، كما جعله للمتفكرين في قدرته معتبرا ، فأحاطوا به إحاطة القلادة بالجيد ، وأذلوا عزته بعزّة ذي العرش المجيد ، وحفت به الرايات يسمها وضسمك ، ويلوح في صفحاتها اسم الله تعالى واسمك ، فلا ترى إلّا نفوسا تتزاحم على مورد الشهادة أسرابها ، وليوثا بصدق في الله تعالى ضرابها ، وأرسل الله عليها رجزا إسرائيليا من جراد السهام ، تشذ آياته عن الأفهام ، وسدد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام ، من بعد الاستغلاق والاستبهام ، وقد عبثت جوارح صخوره في قنائص الهام ، وأعيا صعبه على الجيش اللهام ، فأخذ مسائغه النقض والنقب ، ورغا فوق هله السّقب (٤) ، ونصبت المعارج والمراقي ، وقرعت المناكب والتراقي ، واغتنم الصادقون مع الله تعالى الحظ الباقي ، وقال الشهيد السابق : يا فوز استباقي ، ودخل البلد فألحم السيف، واستلب البحت والزيف ، ثم استخلصت القصبة فعلت أعلامك في أبراجها المشيدة ، وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة (٥) ، وشكر الله تعالى في قصدها مساعي النصائح الرشيدة ، وعمل ما يرضيك يا رسول الله في سدّ ثلمها ، وصون مستلمها ، ومداواة ألمها ، حرصا على الاقتداء في مثلها بأعمالك ، والاهتداء بمشكاة كمالك ، ورتب فها الحماة تشجي العدوّ ، وتصل في مرضاة الله تعالى ومرضاتك برواحها الغدوّ.
«ثم كان الغزو إلى مدينة إطريرة (٦) بنت حاضرة الكفر إشبيلية التي أظلّتها بالجناح السائر ، وأنامتها في ضمان الأمان للحسام الباتر ، وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البائسة
__________________
(٢) شبهه بحصن الكرك ، وكان ذا شأن ومنعة في الحروب الصليبية.
(٣) حصن اشر (Iznajar) في الجنوب الشرقي لحصن روطة (Rute) على ضفة رافد من روافد شنيل ؛ وقد صحف في ق فكتب «أشب»
(٤) السقب : ولد الناقة وفي العبارة إشارة إلى ما حل بقوم صالح عندما عقروا الناقة ، فيقال في المثل لتصوير الهلاك «رغا فوقهم السقب».
(٥) النشيدة : الضالة التي تنشد أي تطلب.
(٦) إطريرة (Utrera) إلى الجنوب الشرقي من إشبيلية على بعد ٣٩ كيلومترا ، وقد ضبطت بكسر الهمزة وسكون الطاء.