عندي رأيا ، وإنّ لكم نظرا ، إنّ حابيا خير من زاهق ، وإن جرعة شروب أنفع من عذب موب ، وإن الحيلة بالمنطق (١) أبلغ من السيوف في الكلم ، فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا ، ولا تفلّوا المدي بالاختلاف بينكم ، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم ، وتولتوا أعمالكم ، لكلّ أجل كتاب ، ولكلّ بيت إمام ، لأمره يقومون ، وبنهيه يرعون ، قلّدوا أمركم رحب الذراع فيما تزل ، مأمون الغيب على ما استكن ، يقترع منكم وكلكم منتهى ، ومرتضى منكم وكلكم رضا.
فتكلم علي فقال : الحمد لله الذي اتّخذ محمّدا منا نبيا وابتعثه إلينا رسولا ، فنحن بيت النبوة ومعدن الحكمة أمان لأهل الأرض ، ونجاة لمن طلب ، لنا حق إن نعطه (٢) نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ، وإن طال السّرى (٣) ؛ لو عهد إلينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهدا لجالدنا عليه حتى نموت أو قال لنا قولا لأنفذنا قوله على زعمنا لن يسرع أحد قبلي إلى صلة (٤) رحم ودعوة حق والأمر إليك يا ابن عوف على صدق اليقين ، وجهد النصح ، استغفر الله لي ولكم.
يرويه يعقوب بن محمد ، عن أبي عمر الزهري ، عن مسلم بن نشيط عن عطاء ، بن أبي رباح ، عن ابن عباس.
قوله : إن حابيا خير من زاهق. الحابي من السهام هو الذي يزحف إلى الهدف يقال : «حبا يحبو [حبوا السهم» وقع دون الغرض](٥). فإن أصاب الهدف (٦) فهو خاسق وخازق ومقرطس ، فإن جاوز الهدف ووقع خلفه فهو زاهق ، يقال : زهق السهم : إذا تقدم. وزهقت الفرس وانزهقت بين يدي الجمل وأزهقتها : قدمتها. والزهق : التقدم ، قال رؤبة :
يكاد أيديهن تهوي في الزهق.
وأراد عبد الرحمن : إن الحابي من السهام وإن كان ضعيفا فقد أصاب الهدف ؛ فهو خير من الزاهق الذي قد جاوزه لشدة مرّه وقوّته (٧) ولم يصبه. وضرب السهمين مثلا لواليين :
__________________
(١) بالأصل وم : بالمنطلع ، والمثبت عن المختصر والمطبوعة.
(٢) الأصل وم : «إن يعطيه» تصحيف.
(٣) هذا مثل لركوبه الذل والمشقة وصبره عليه وإن تطاول ذلك ، قاله الزمخشري في الفائق في تفسيره قول علي رضياللهعنه يوم الشورى : مادة عجز ٢ / ٣٩٧.
(٤) الأصل : «أصله» والمثبت عن م ، والمختصر ، والمطبوعة.
(٥) الزيادة بين معقوفتين زيادة عن المطبوعة.
(٦) بالأصل وم و «ز» : فإن أصاب الوقعة ، والمثبت عن المطبوعة.
(٧) بدون إعجام بالأصل وم ، والمثبت عن المختصر والمطبوعة.