وأتوا به النعمان فقرأه فاشتد غضبه ، فأرسل إلى عدي بن زيد ، عزمت عليك إلّا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك ، وعدي يومئذ عند كسرى فاستأذن كسرى فأذن له ، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد ، فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس ، فكان أول ما قاله وهو محبوس من الشعر :
ليت شعري عن الهمام ويأتيك |
|
بخبر الأنباء عطف السؤال |
أين عنا إخطارنا المال والأنفس |
|
إذ ناهدوا ليوم المحال |
ونضالي في جنبك الناس يدمو |
|
ن وأرمى وكلنا غير آلي |
فأصيب الذي تريد بلا غش |
|
وأربي عليهم وأوالي |
ليت أني أخذت حتفي بكفي |
|
ولم ألق ميتة الأقتال |
محلوا محلهم لصرعتنا العا |
|
م فقد أوقعوا الرحا بالثفال |
وهي قصيدة طويلة ، قالوا : وقال أيضا وهو محبوس :
أرقت لمكفهر بات فيه |
|
بوارق يرتقين رءوس شبيب |
تلوح المشرفية في ذراه |
|
ويجلو صفح دخدار قشيب |
ويروى : تخال المشرفية في داره ويجلو صفح ...
[والدخدار](١) بالفارسية ، معربة ، وهو الثوب المصون ، يقول فيها (٢) :
سعى الأعداء لا يألون شرا |
|
عليّ ورب مكة والصليب |
أرادوا كي تمهل عن عدي (٣) |
|
ليسجن أو يدهده في القليب |
وكنت لزاز (٤) خصمك لم أعرد |
|
وقد سلكوك (٥) في يوم عصيب |
أعالنهم وأبطن كل سر |
|
كما بين اللحاء إلى العسيب (٦) |
ففزت عليهم لما التقينا |
|
بتاجك فوزة القدح الأريب |
وما دهري بأن كدرت فضلا |
|
ولكن ما لقيت من العجيب |
ألا من مبلغ النعمان عني |
|
وقد تهدى النصيحة بالمغيب |
__________________
(١) عن م والأغاني.
(٢) «يقول فيها» استدركت عن هامش الأصل.
(٣) الأصل وم : كثير ، والمثبت عن الأغاني.
(٤) يقال فلان لزاز لفلان أي لا يدعه يخالفه ويعانده.
(٥) أي أدخلوك.
(٦) اللحاء : ما على العود من قشر ، والعسيب : جريد النخل إذا نحي عنه خوصه.