وحسن سياسته ، وحبه لتلافي ما يستطاع باللطف تلافيه. ولذلك ظل كثير ممن يقدرونه ويحملون عليه ، يبجلونه لذاته ، ويحبونه لشخصه ، ويلقونه لقاء الإخوة الكرام.
ولما اختير إماما للمعية الملكية تفتحت له من الحياة سبل جديدة ، ازداد بها مرانة ومعرفة ، وأخذ يخطو ويبرز نحو الصفوف الأولى بين رجالات الوطن. وكان إذ ذاك حركة دائبة ، يؤدي واجبه الديني ، ويلقى دروسه وخطبه ، ويذيع في المذياع ، ويكتب في المجلات ، في الأمور الدينية والإجتماعية والتاريخية.
وقد كان عبد العزيز عالما أزهريا ، بالمعنى الذي يفهمه التاريخ والعرف ، ومرجع ذلك ـ فيما أعتقد ـ إلى حبه العميق للأزهر ، وما في الأزهر من علم ، وما له من تقاليد.
وأهم خصوصيات العالم الأزهري ـ فضلا عن معرفة الشريعة الغراء ـ حبه الجدل والمناقشة ، وقدرته على سوق الحجة والدليل ، وعدم تسليمه لخصمه في سهولة ويسر. وقد كان عبد العزيز في ذلك ، من الطراز الأول ، لا يكاد المرء يدخل معه في نقاش حتى يفيض بالاعتراض والاستشهاد ، وبالتدليل والتعليل ، والموازنة ، حتى يصل إلى قرار الحق. يشهد بذلك تلاميذه الكثيرون في كليات الأزهر ، وأصدقاؤه أعضاء لجنة الفتوى وكان زميلا لهم ، قد لمسوا فيه هذه الخصوصية ، خلال عضويته بها.
وكان ضليعا في معرفة الشريعة السمحة وأحكامها ، خبيرا بمذاهب أئمتها على اختلافهم ، بصيرا بمذاهب الكلاميين من فقهائها ، وقد أخرج كتابا في حياة «تقي الدين بن تيمية الحراني» ، ألقى فيه ضوءا على جهاد هذا العلامة في سبيل دينه ، موضحا عقيدته ، مبينا أنها عقيدة السلف ، وأنها بعيدة عن مزالق المبتدعة من متطرفي الحنابلة.
وقد كان مؤرخا واعيا لتطورات التاريخ الإسلامي وتقلب دوله ، منقبا عن ذلك في كتب التاريخ الإسلامي : العربي منها وغير العربي.