مراكش إلى أقاصي الهند ، وجد الأزهر وعلماؤه في إحياء الثقافة الإسلامية التي رماها التتار بأقسى النكبات في فتحهم الوحشى لبلاد الخلافة العباسية ، فكان للأزهر جهوده العظيمة الحافلة في هذا المضمار ، مما وطد من مكانته ، ودعم من كيانه ، وأقر له منزلته العلمية العظيمة وشخصيته الجامعية الضخمة. وزاد من مكانة الأزهر قوة واستقرارا انقراض الحضارة الإسلامية من الأندلس عام ٨٩٧ ه وانتهاء جامعاتها العلمية الكبيرة وتبديد مسيحيى أسبانيا للتراث العربي فيها ، فألقيت مقاليد الثقافة الإسلامية في الشرق كافة في يد الأزهر ، فحمل الأمانة ، وبذل في سبيل أداء رسالته كل ما يستطيع من جهد وقوة ، وأخذ الأزهر يسير في دراساته الدينية ، وفي انتاجه الثقافي على المنهج العلمي المألوف في عصره ، فكانت كتب الدراسة فيه والمؤلفات العلمية التي يؤلفها علماؤه ، شروحا لأصول الكتب العلمية الدائمة في عصره ، وحواشي على هذه الشروح وتقارير على هذه الحواشي؟ ـ وهذه الشروح والتقارير والحواشي تتجه إلى خدمة أمرين عظيمين : أولا : الشرح التحليلي التفصيلي لأساليب هذا الأصل العلمي المشروح ، والمبالغة البعيدة في توجيه الفهم فيه وجهة خاصة ، يتحرى فيها الدقة والعمق والإحاطة بألوان الثقافة المنوعة ، عند ما تستوجب هذه الإحاطة دراسة الأسلوب والفاظه. وثانيا : إثارة المشكلات العلمية العميقة التي تتصل بأصل الفكرة المبحوثة أو التي تضيء جوانب البحث فيها ، أو التي تعتبر لازمة للتوسع في دراستها ، وبجانب هذه الدراسة العلمية ، وهذا الانتاج الثقافي الخاص ، توجد موسوعات علمية ألفت في شتى نواحي الثقافة الإسلامية لتعويض ما فقده التراث الإسلامي من نفائس المؤلفات وكانت الطريقة العلمية ملائمة لعقول العلماء إذ ذاك ومتمشية مع أساليب المنهج العلمي المألوف في عصرهم ، فقد كان الشرق كله يقرها ويسير عليها في ميادين الثقافة والتعليم والتفكير ، وما زالت محل اعجاب الباحثين من المستشرقين والمفكرين ، ومن العبث أن نزوي بها أو نحط من شأنها ، أو نرميها بالخطأ والخمول.