وتردد محمد
عبده على بيت جمال الدين ، وتتلمذ عليه وعلى مائدة علمه وفضله ؛ وبعد أيام قصيرة
سافر جمال الدين إلى الآستانة ، وودعه محمد عبده وداعا حارا ، وفي الآستانة نال
جمال الدين تقديرا كبيرا ، وعين عضوا في مجلس المعارف هناك ، ولكنه شعر بالدسائس
والوشايات تحاك من حوله فعاد إلى القاهرة مرة أخرى في أول المحرم ١٢٨٨ م ، فعاد
محمد عبده إلى التلمذة عليه والإفادة من ثقافته.
وعرف محمد عبده
من أستاذه جمال الدين أن الاستعمار الغربي وبال على الإسلام والمسلمين ، وأنه يجب
محاربة الديكتاتورية الملكية ، والفساد السياسي ؛ وعن طريقه علم أن الأدب يجب أن
يكون في خدمة الشعب وتحريره ، وأنه يجب أن يتحرر من قيود الصناعة اللفظية ، وأن
المعنى لا اللفظ هو سر كل بلاغة ، وتعود الكتابة الدينية والوطنية في الصحف
والمجلات ، وبدأ يهتم بمطالعة مصادر الثقافة الإسلامية والأدبية ، ويطالع الكتب
المترجمة ، ويسعى مع إخوانه من تلامذة جمال الدين في إصلاح الأزهر الشريف وفي
الإلحاح في طلب الحكم النيابي والديمقراطية السياسية.
وظفر محمد عبده
بشهادة العالمية عام ١٢٩٤ ه ١٨٧٧ م وأصبح مدرسا بالأزهر ودار العلوم ومدرسة
الألسن ، وبدأ يكون جيلا جديدا من تلامذته ، ينفخ فيهم روح أستاذه جمال الدين.
(٢)
وفي الخامس
والعشرين من يونيو عام ١٨٧٩ م عزل إسماعيل وتولى مكانه ابنه توفيق ، وقد بدأ حكمه
بنفي جمال الدين من مصر ، وإقالة محمد عبده من وظائفه العلمية ، وتحديد إقامته في
قريته «محلة نصر» ، وذلك في الرابع والعشرين من أغسطس عام ١٨٧٩ م ـ أواسط رمضان
عام ١٢٩٦ ه ، خوفا من النهضة الوطنية التي يتزعمانها ، ويدعوان إليها ، وقبل