القاضي عياض بإحراق كتب الغزالي لما يوجد بها من أشياء لا يرتضيها أهل السنة. ونقل الكمال بن الهمام عن أحد علماء الحنفية أنه لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال.
وظل هذا التعصب يشتد ويشغل أمره العلماء ، فاتهم كل مجتهد يخرج على التقاليد العلمية في عصره بالزندقة والضلال. والضلال يومذاك كانت كلمة ترادف التفكير الحر الذي لا يرضى بالتقليد ، ولا يرضى أن يكون في آرائه من العبيد. وكان الضلال عنوان نضوج العقل ، أو كما يقول الغزالي : وأستحقر من لا يحسد ولا يقذف ، وأستصغر من بالكفر أو الضلال لا يعرف.
ولما كثرت المدارس في عهد الأيوبيين وأرادوا جذب أساتذة الأزهر إليها ، أغدقوا لهم في العطاء ، وأجزلوا في المرتبات ، وبعد أن كان العلماء يعتمدون في العصور الأولى على أنفسهم في سد حاجات عيشهم عن طريق السعي وراء الرزق أو استجلاب الربح من صنعة أو حرفة ، فكان منهم في العصر الأول البزاز والزجاج والصائغ والصباغ والفراء ، إلى ما لهم من شهرة في العلم ، أصبحوا في هذا العهد وما تلاه من عهود المماليك يعتمدون على الدولة وما تعطيهم من إعانات ، وما تدره عليهم من غلات أوقاف ، أو نظارات في حياتهم ، مما مكن للدولة من ضمان بقائهم في صفها ، ولم يدع للعلماء حرية كاملة في إبداء ما يرون من آراء على الوجه الذي يرضي الله والضمير والحق والعدل. بل كثيرا ما كان هذا النوع سببا في تحاسد العلماء وسعى بعضهم ببعض عند الأمراء ، لتوجبه وظيفة أو إعطاء وقف.