ولا أقوى على ذلك ـ يعنون من معاوية ـ وإنهم جميعا برءوا من علي وشيعته ، وأمّا شيعة علي وهم أهل الكوفة ، وأما المرجئة فهم الشكاك الذين شكوا ، فكانوا في المغازي ، فلما قدموا المدينة بعد قتل عثمان وكان عهدهم بالناس وأمرهم واحد ليس فيهم اختلاف ، فقالوا : تركناكم وأمركم واحد ليس فيكم اختلاف ، وقدمنا عليكم وأنتم مختلفون ، فبعضكم يقول : قتل عثمان مظلوما ، وكان أولى بالعدل وأصحابه ، وبعضكم يقول : كان علي أولى بالحق ، وأصحابه كلهم ثقة ، وعندنا مصدّق فنحن لا نتبرأ منهما ، ولا نلعنهما ، ولا نشهد عليهما ، ونرجئ أمرهما إلى الله ، حتى يكون الله هو الذي يحكم بينهما (١) ، وأما من لزم الجماعة ، فمنهم : سعد بن أبي وقّاص ، وأبو أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وحبيب بن مسلمة الفهري ، وصهيب بن سنان ، ومحمّد بن مسلمة في أكثر من عشرة آلاف من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم والتابعين لهم بإحسان ، قالوا جميعا : نتولّى عثمان وعليا لا نتبرأ منهما ، ونشهد عليهما وعلى شيعتهما بالإيمان ، ونرجو لهم ونخاف عليهم ، وأما الصنف الخامس فهم : الحرورية ، قالوا : نشهد على المرجئة بالصواب (٢) ، ومن قولهم حيث قالوا : لا نتولّى عليا ولا عثمان ، ثم كفروا بعد حيث لم يتبرءوا ، ونشهد على أهل الجماعة بالكفر.
قال ميمون بن مهران : وكان هذا أول ما وقع الاختلاف ، وقد بلغوا أكثر من سبعين صنفا ، فنسأل الله العصمة من كل هلكة ومزلّة.
وقد كان بعض من خرج من هذه الأصناف دعوا سعد بن أبي وقّاص إلى الخروج معهم ، فأبى عليهم سعد ، وقال : لا ، إلّا أن تعطوني سيفا له عينان بصيرتان ، ولسان ينطق بالكافر فاقتله ، وبالمؤمن فأكفّ عنه ، وضرب لهم سعد مثلا ، فقال : مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجّة والمحجة البيضاء الواضحة ، فبينا هم كذلك يسيرون هاجت ريح عجّاجة ، فضلوا الطريق ، والتبس عليهم ، فقال بعضهم : الطريق ذات اليمين ، فأخذوا فيه ، فتاهوا [وضلّوا](٣) ، وقال آخرون (٤) : الطريق ذات الشمال ، فأخذوا فيه فتاهوا وضلّوا ، وقال الآخرون : كنا على الطريق حيث هاجت الريح فننيخ ، فأناخوا ، وأصبحوا ، وذهبت الريح وتبيّنت الطريق ، فهؤلاء هم أهل الجماعة ، قالوا : نلزم ما فارقنا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نلقاه ، ولا ندخل في شيء من الفتن حتى نلقاه ، فصارت الجماعة والفئة التي تدعى فئة
__________________
(١) عن م و «ز» ، وبالأصل : بيننا.
(٢) فوقها في «ز» : ضبة.
(٣) زيادة عن م و «ز».
(٤) الأصل وم و «ز» ، وفي المطبوعة : الآخرون.