وعزهم الذل ، فجاء رحمة حتى استنقذنا الله بمحمّد صلىاللهعليهوسلم من الضلالة ، وهدانا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم من الجهل ، ونحن ـ معاشر العرب ـ أضيق الأمم معاشا وأخسّهم رياشا ، جعل (١) طعامنا الهبيد ـ يعني شحم الحنظل ـ وجعل (٢) لباسنا الجلود (٣) ، مع عبادة الأوثان والنيران ، فهدانا الله بمحمّد صلىاللهعليهوسلم بعد أن أمكنه الله شعلة (٤) النور ، فأضاء لمحمّد مشارق الأرض ومغاربها ، فقبضه الله إليه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ما أجلّ رزيته ، وأعظم مصيبته ، فالمؤمنون فيه سواء ، مصيبتهم واحدة.
ثم قال علي : فقام مقامه أبو بكر الصدّيق رحمة الله عليه ، فو الله يا معشر المهاجرين ما رأيت خليفة أحسن أخذا بقائم السيف يوم الردة من أبي بكر رحمة الله عليه ، يومئذ قام مقاما أحيا الله به سنّة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : والله لو منعوني عقالا (٥) لأجاهدنهم في الله ، فسمعت وأطعت لأبي بكر ، وعملت إذ ذاك خير لي ، فخرج من الدنيا خميصا (٦) ، وكيف لا أقول هذا [في أبي بكر؟ [وأبو بكر](٧) ثاني اثنين ، وكانت ابنته ذات النطاقين ، يعني أسماء ـ تنطلق بعباءة له ، وتخالف بين رأسها ومعها يعني رغيفين (٨) في نطاقها فتزجّ بهما إلى حبيب القلوب محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وكيف لا أقول هذا (٩)] وقد اشترى ثلاث نسوة ، وأربعة رجال كلهم أوذي في الله وفي رسوله ، وكان بلال منهم ، وتجهز رسول الله صلىاللهعليهوسلم بماله ، ومعه يومئذ أربعون ألفا ، فدفعها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهاجر بها إلى طيبة ، ثم قام مقامه الفاروق عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ، شمر عن ساقيه ، وحسر عن ذراعيه لا تأخذه في الله لومة لائم ، كنا نرى أنّ السكينة تنطق على لسانه ، وكيف لا أقول هذا ورأيت النبي صلىاللهعليهوسلم بين أبي بكر وعمر رحمهماالله ، فقال : «هكذا نحيا وهكذا نموت وهكذا نبعث ، وهكذا ندخل الجنة» ، وكيف لا أقول هذا في الفاروق والشيطان يفرّ من حسّه ، فمضى شهيدا ، رحمهالله ، ثم أراكم معشر المهاجرين والأنصار مقتموني بأبصاركم طرا ـ ولم يكن أبو عبد الله ـ يعني عثمان بن عفان تلك السّاعة ـ ثمّ وأنشأ علي في أبي عبد الله يعني عثمان يقول : ـ أعلمتم معاشر المهاجرين أنه
__________________
(١) كذا بالأصل وم في الموضعين ، وفي المطبوعة : جلّ.
(٢) كذا بالأصل وم في الموضعين ، وفي المطبوعة : جلّ.
(٣) في م : الوبر والجلود.
(٤) الأصل : سلعة ، والمثبت عن م.
(٥) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : عناقا.
(٦) اللفظة غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن م. والخميص : الضامر البطن (اللسان : خمص).
(٧) الزيادة عن المطبوعة والمختصر ١٦ / ١٥٥.
(٨) كذا بالأصل.
(٩) ما بين الرقمين سقط من م.