المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، تواترت هذه التأكيدات ، وأرسلها علماء أهل السنة الأعلام إرسال المسلمات أيضاً ، وجزموا بأن التأكيدات قد صدرت عن رسول الله بالفعل.
مما يعني أن الأمة بشقّيها : « أهل بيت النبوة ومن والاهم والخلفاء التاريخيون ومن والاهم » ، مجمعون على أن رسول الله قد بيّن للمسلمين وأكد لهم بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت جوراً وظلماً ، وهم جيمعاً قد جزموا بان هذه الأحاديث قد صدرت من رسول الله بالفعل ، وهم على يقين بأن هذه المهمة : « ملء الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً » من المبررات والأسباب الأساسية ، لظهور المهدي المنتظر ، ويعتقد الجميع بذلك ، ويؤمنون به ، وقد شكل هذا الاعتقاد جزءاً من عقيدة المسلمين الدينية.
فبعد موت النبي بقليل حُلت عرى الإسلام كلها ، عروة بعد عروة ، ورفع الحكم الإلهي من الأرض ، وصار الملك الذي تمخضت عنه النبوة. بحوزة من غلب ، وحيل بين المرجع الديني المعتمد من الله ورسوله ، وبين ممارسة مهام مرجعيته ، وبموت النبي وانتهاء عهده العظيم ، وبتحييد المرجع الديني ، فَقَد العالم النموذج الأمثل ، وحلّ الرأي محل النص ، وشاع الاجتهاد مع وجود النص ، وإن جرت محاولات لتطبيق النصوص الشرعية ، فإنها قد فشلت ، لأن تطبيق النصوص الشرعية يحتاج إلى أهلية وإعداد خاص لا يتوفر إلا بالنبي ، أو الإمام المؤهل إلهياً من بعده ، وهذا مبدأ مسلّم به حتى في القوانين الوضعية ، فالجهة المؤهلة لإصدار حكم قطعي مبرم حائز على الحقيقة القانونية هي محكمة التمييز ، أو محكمة النقض ، وأعضاؤها يشكلون أو من المفترض أن يشكلوا ويكونوا قمة الفهم والوعي القانوني ، بحيث لا يعلوا فهمهم فهم ، ولا وعيهم وعي ، فإذا كانت القوانين التي يضعها البشر قد وصلت إلى هذا المستوى من التقنية القانونية ، فلا تتعجب من قولنا بأن النص الشرعي يحتاج تطبيقه إلى نبي ، أو إمام مؤهل ومُعد إلهياً فضلاً عن ذلك فإن الإسلام كشريعة لا يؤتي أكله كاملاً إلا إذا طبق كاملاً ، وبقيت عراه ـ خاصة نظام الحكم ـ كلها متماسكة ، ولم تُحل.