الحديث النبوي وكتابته ، حتى تطمُسَ كلّ ما يذكر الناس بالحقيقة وبالشرعية السياسية الإلهية. وسواء في عهد الخليفة الرمز ، أو عندما استولت البطون على مقاليد الدولة ، كانت الفئة المؤمنة مهمشة تماماً. وراجت قناعة بأن أفرادها لا يصلحون للقيادة ، وغير موالين لدولة البطون ومتحفزين لشق عصا الطاعة ، ومفارقة الجماعة!! ومن مصلحة الإسلام والمسلمين ، ومن دواعي استقرار الدولة أن تبقى هذه الفئة تحت الرقابة المباشرة للخليفة الرمز وبطانته ، وأن لا يتولى أفرادها أي مصلحة من المصالح العلمية ، بمعنى أن الفئة عملياً تحت الإقامة الجبرية ، فنادراً أن يأذن الخليفة لأحد من أفرادها بمغادرة العاصمة إلى الأقاليم البعيدة عن إشرافه المباشر. ولأن الخليفة عادل فقد كان يغدق على الشخصيات البارزة من أفراد هذه الفئة المؤمنة الأموال من بيت مال المسلمين تأليفاً لقلوبها ، واتقاء لخطرها وطمعاً باستقرار الدولة ، حتى صارت تلك الشخصيات من أصحاب الملايين في مجتمع أكثريته الساحقة جائعة ومحتاجة!!.
المعايير الجديدة لتعبئة الوظائف العامة
عندما نجح التحالف الذي قادته بطون قريش ، بالاستيلاء على مقاليد الدولة اختفت المعايير التي كانت سائدة في زمن الرسول ، فلم يعد منها البلاء في سبيل الله ، ولا السابقة في الإسلام ، ولا العلم ، ولا الإخلاص لله ولرسوله ، وحلت محلها معايير جديدة أهمها ؛ موالاة دولة البطون ، وإرضاء رموزها والأكثرية الساحقة ، والقدرة على تنفيذ سياسة الدولة وبرامجها التربوية والتعليمية ، ومعاداة أعداء الدولة ، من قيمتهم ، بحيث لا يتقي لهم شأن ولا ذكر ، وإرغام أنوفهم لتبقي دوماً في التراب!
الاستعانة بالمنافقين والفاسقين والمرتزقة
قال ابن حجر في فتح الباري « والذي يظهر من سيرة عمر رضي الله عنه في أُّمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط ، بل كان يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة السياسية ، فلأجل ذلك استخلف معاوية