وسلبتها بعض ولاياتها. ومن حسن الحظ أن هذه الفتنة لم تتعد دمشق وأواسط لبنان ونجا منها شماله بفضل رجل اسمه يوسف كرم حال دون انبعاث الدروز إلى جهاته ، ولو اتصلت نيران الفتنة بأقاليم الجنوب والشمال ولم تبق محصورة في الوسط لكان الهول أعظم والخطب أدهى وأمرّ. ونجت جنوب الشام وشمالها لضعف الحكومة فيهما ، ولأن القول الفصل في كل بلد كان لجماعة من عقلائها ووجوهها فإن الرعاع حدثتهم أنفسهم أن يبطشوا في حمص وحماة وحلب وطرابلس واللاذقية ويافا وغيرها فحال عقلاء تلك المدن دون الإيقاع بأحد من أهل وطنهم ، ولم تبتل أقاليمهم بما ابتليت به سورية المجوفة.
سوء أثر حوادث الشام في الدولة ومنازعة الدول لها في سلطانها :
سبع عشرة سنة مضت على الدولة وهي تحرك النّعرة الدينية لتضرب الدرزي بالنصراني وهذا بالمسلم ، حتى وصلت إلى هذه النتيجة المرمضة من إهلاك من أهلكت وإضعاف من أضعفت ، فانتقمت من الذين قتلوا بعض ولاتها قبل دخول المصريين ، ثم عاونوا محمد علي الكبير معاونة فعلية وأدبية ، وبالغت في عقوبتهم حتى أنستهم ما استمتعوا به على عهد حكومته الرشيدة ، وخلصت من حماية فرنسا وانكلترا للموارنة والدروز ، ولكن السياسة التي اتبعتها كادت تفشل ويخرج القطر كله من الحكم العثماني ، لو لا الشدة في عقاب من قضت السياسة بعقوبته والإسراع بتنفيذ الأحكام والتعويض على المنكوبين. ولم لم يقو فؤاد باشا إلا على المسلمين لأنهم لا سياج لهم إلا الدولة العثمانية ، يؤثرونها على غيرها مع اعتقادهم ظلمها وسوء إدارتها ، أما الدروز فإن لهم كالموارنة سندا قويا يحميهم. ولذلك لم يؤاخذ أشقياؤهم بما أجرموا ، وهذا من غرائب السياسة في هذا العصر أن يجعل القاتل في حلّ مما أتاه. ولكن المسلمين من جهة ثانية انتفعوا بهذه العبرة التي وقعت لهم وإن كلفتهم كثيرا ، فأصبحوا لا يثقون برجال الدولة على الجملة ، ويعتقدون أن الظاهر من أقوالهم غير الباطن ، وأن الدولة متى اقتضت مصلحتها تهلك أمة حتى تستفيد فائدة صغيرة ، وتخرب بلدا إذا كان من ذلك مغنم ترجوه. وبهذا العمل الأخرق الذي قصدت