كان ما في أيدينا خير مما في أيديهم فكان في ذلك فساد للفريقين كلاهما ، فقال سليمان بن هشام : صدقت ، والذي لا إله إلّا هو ولأزهدنّ في الزّهري من بعد اليوم.
أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم ، أنا أبو الفضل الرازي ، أنا جعفر بن عبد الله ، نا محمّد بن هارون ، نا يونس بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب ، نا عبد الرّحمن بن يزيد ، نا أبو حازم :
أن سليمان بن هشام بن عبد الملك قدم المدينة ومعه ابن شهاب فأرسل إلى أبي حازم فدخل عليه ، فإذا هو ابن هشام متكئ ، وابن شهاب عند رجليه قاعد قال : فسلّمت وأنا متكئ على عصاي ، فقال ابن شهاب : ألا تتكلم يا أعرج ، قال (١) : قلت : وما يتكلم به الأعرج؟ ليست للأعرج حاجة بحالها فيتكلم فيها ، وإنما جئت لحاجتكم التي أرسلتم إليّ فيها ، وما كل من يرسل إليّ آتيه ، ولو لا الفرق من شرّكم ما جئتكم. فجلس سليمان قال : مما (٢) المخرج فما نحن فيه؟ قال أبو حازم : أعاهد الله في نفسي لا يمنعني دريهماتك أن أقول الحق في الله ، قال : قلت : المخرج مما أنت فيه أن لا تمنع شيئا أعطيته من حقّ أمرك الله أن تجعله فيه ، ولا تطلب شيئا بشيء نهاك الله أن تطلبه به. قال ابن هشام : ومن يطيق هذا؟ قال : من طلب الجنة وهرب من النار وذلك فيهما قليل ، فقال سليمان : ما رأيت كاليوم حكمة قط أجمع ولا أحكم ، قال ابن شهاب : فإنه جاري وما جالسته قط ، قال أبو حازم : إني مسكين ليست لي دراهم ، ولو كانت لي دراهم جالستني ، قال ابن شهاب : قدحتني يا أبا حازم قال : إياك أردت. ثم قال ابن شهاب : ألا تحدّثني يا أبا حازم عن شيء بلغني أنك وصفت به أهل العلم وأهل الدنيا؟ قال : بلى ، إني أدركت أهل الدنيا تبع لأهل العلم حيث كانوا يقضي أهل العلم بما قسم الله لهم لأهل الدنيا حوائج دنياهم وآخرتهم ، ولا يستغني أهل الدنيا عن أهل العلم لنصيبهم من العلم ، ثم حال الزمان فصار أهل العلم تبعا لأهل الدنيا حيث كانوا فدخل البلاء على الفريقين جميعا ترك أهل الدنيا النصيب الذي كانوا يمسكون به من العلم ، حين رأوا أهل العلم قد جاءوهم وضيّع أهل العلم جسيم ما قسم لهم باتّباعهم أهل الدنيا.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا
__________________
(١) بالأصل : «وإن» ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) بالأصل : «فما» خطأ.