وأتوا به على سليمان فكان به يقطع الصخر ، وعمل سليمان بيت المقدس عملا لا يوصف ولا يبلغ كنهه أحد ، وزيّنه بالذهب والفضة والدّرّ والياقوت والمرجان وألوان الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدره وأركانه شيئا لم ير مثله ، ولم يعلم يومئذ كان على ظهر الأرض موضع كان أعظم منه ، ولا عرض من عرض الدنيا أكثر منه ، فتسامعت به الخلائق ، وشهدته ملوك الأرض ، وكان نصب أعينهم ، ولكنهم لم يكونوا يرومونه مع سليمان ، ولا يحدّثون به أنفسهم.
فلما رفع سليمان يده من البنّاء بعد فراغه وإحكامه جمع الناس فأخبرهم أنه مسجد لله تعالى هو أمر ببنائه ، وأن كل شيء فيه لله عزوجل ، وأن من انتقصه شيئا فقد خان الله ، وأن داود كان الله عزوجل عهد إليه ذلك من قبل ، وأوصى سليمان بذلك من بعده ، فلما انتهى عمله وفرغ منه اتخذ طعاما وجمع سلميان الناس ، فلم يرقط جمعا في موضع أكبر منه ، يومئذ ولا طعاما (١) أكثر منه ثم أمر بالقربان فقرّب لله عزوجل قبل أن يطعم الناس ، فوضع القربان في رحبة المسجد وبين ثورين فأوقفهما قريبا من الصخرة ، ثم قام على الصخرة فقال : اللهم ، أنت وهبت لي هذا الملك منّا منك عليّ وطولا عليّ وعلى والديّ من قبلي ، وأنت الذي ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة ، وجعلته حكما بين عبادك وخليفة في أرضك ، وجعلتني وارثه من بعده وخليفته في قومه ، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا قبل ، وأكرمتني به قبل أن تخلقني ، فلك الحمد على ذلك والمنّ والطّول ، اللهم ، وأسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلّا طلب التوبة أن تقبل منه وتتوب عليه وتغفر له (٢) ، ولا يدخل إليه خائف لم يعمده إلّا طلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخل إليه مقحط لم يعمده إلّا طلب الاستسقاء أن تسقي بلاده ، ولا يدخل إليه سقيم لم يعمده إلّا طلب الشفاء أن تشفيه من سقمه وتغفر ذنبه ، وأن لا تصرف بصرك عن من دخله حتى يخرج منه ، اللهم ، إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قرباني ، قال : فنزلت نار من السماء فأخذت ما بين الأفقين ثم امتد منها عنق فاحتمل القربان ثم صعد به إلى السماء.
أخبرنا أبو طاهر محمّد بن الحسين بن الحنّائي ، أنا أبو علي أحمد ، وأبو الحسين
__________________
(١) في المختصر : فلم ير قط جمع ... ولا طعام.
(٢) بالأصل : ويتوب عليه ويغفر له.