وفي المدينة أيضا عدّة حوانيت مشحونة بأصناف الكتب ليس فيها خرم ولا نقصان ، ويمكن أن يقال إن الكتب بأوروبا أرخص ما يكون لا جرم أن المولع عندهم بالعلوم مع سعة ذات اليد لأسعد الناس ، لأنه إذا شاء أن يتعلّم أيّ فن كان وجد له فيه شيخا ، ولأن الكتب والأدوات اللازمة لذلك الفن حاضرة عتيدة يجدها بأهون سعي ، ولا يخشى في الكتاب خرما كما ذكرنا ولا تحريفا ، فكل كتبهم مصحّحة ، ولأن المدارس الوقفية تعلّم فيها العلوم مجانا أو يعطى في مقابلة ذلك شيء زهيد ، فطالب العلم في مالطة يعطى في الشهر شلينين ونصفا ، وطالب اللغة شلينا واحدا ، ولعمري إنّ طالب العلم في لغتنا لو لم يصدّه عن المطالعة إلا تعذّر وجود نسخة صحيحة لكفاه ذلك عذرا فضلا عن نصبه وحرمانه وخموله.
وفي فالتة سبع مطابع إحداها للميري (٤٩) تطبع فيها الأوامر والنواهي التي تصدر من ديوان الحكم ، والباقي للأهلين ، وفيها أيضا دار لصحف الأخبار الواردة من أوروبا ، وداران للصرف توضع فيها الأموال ، ومنارة فيها فانوس كبير لهداية السفن ، وعدة مكاتب للصبيان والبنات يعلم فيها القراءة والكتابة والحساب والتطريز والخياطة ، وغير ذلك. غير أنّ الأولاد تغلب عليهم لغتهم وتمنعهم عن التكلّم بغيرها إذ كانت هي اللغة الغالبة ، وإلى الآن لم يعلم من نساء مالطة من نبغت في المعارف والتأليف ، فغاية ما يتعلّمن إنّما هو أن يقرأن بعض كتب كنائسية. وقد كان في السابق دار معدّة لتلقي النغول (٥٠) ، وتربيتهم ، وقد بطلت الدار وبقيت عادة النغول وعادة التبني من اليتامى. وفيها ثلاثة مستشفيات أحدها للعسكر والثاني للرجال والثالث للنساء. ومن لم يكن لها مأوى تأوي إلى هذا المستشفى وتمكث فيه ما شاءت ، وبخارجها أيضا أربعة أخرى أحدها للمجانين ، وأكثر جنون أهل مالطة يكون عن وساوس في الدين ، وقد رأيت فيه عجوزا تهذي وتقول : اليوم عيد كما أمر بذلك القسيس ، والثاني للمرضى من العساكر البحرية ، والثالث للفقراء ، والرابع للطاعنين في السن العاجزين عن تحصيل معاشهم المادين لوداع الدنيا يدا والمغمضين عن
__________________
(٤٩) يستخدم الشدياق كلمة الميري للدلالة على ما نسميه اليوم : حكومي ، أو رسمي. (م).
(٥٠) النغول : جمع نغل : ولد الزنى. (م).