تحسبه همّا (٣٢٩) هرما ، فلو ظهروا في المرة الآتية ما عرفت منهم أحدا ، بل يغيّرون أيضا أصواتهم ولهجتهم وسحنتهم وشعورهم ، ويتحادبون ويتعارجون ويتمارضون ، ويتناومون ويتعامون ويتساكرون ، ويتباكون ويتضاحكون ويتحامقون ويتجانون ، ويحاكون الملوك والقضاة والعلماء والأطباء والفقهاء والمتحذلقين والحمقى وكل صنف من الناس ، ومن أعظم ما أضحكني من محاكاة التثاؤب تمثيلهم أميرا من أمراء باريس قد قدم إلى لندرة واستوخم هواءها ، فكان كلما قال كلمة تثاءب وتناعس ، إشارة إلى أن هواء البلاد قد ثقل عليه ، وأن جميع الإنكليز ذووا وجوه كالحة ، ومن يرهم أول وهلة فربما حسدهم ، أو تمنى أن يكون في زمرتهم ، إذ يراهم مغازلين للنساء الحسان ومتردّين باللباس الفاخر ، وربما أكلوا في الملعب الطعام القديّ (٣٣٠) ، وشربوا الشراب اللذيذ ، إلا أنه عند التروّي يعلم أن حرفتهم لمن أشقى الحرف ، لأن اللاعب يلزمه أن يعيد لعبته عدة ليال متتالية كما هي ، وكذا المغني والمنشد ، والشيء إذا تكرر تكرّج (٣٣١). وربما لزمهم في الليالي الباردة أن يلبسوا الثياب الرقيقة وفي الصيف عكس ذلك ، وخصوصا إنهم يعلمون من أنفسهم أنهم إن هم إلا مستأجرون ، وأنّ استبرقهم إلا عارية وهي عار.
نقد وتعليق
وحيث قد جرت العادة بأن ابتداء اللعب يكون غالبا في الساعة السابعة ، وختامه بعد الحادية عشر ، كان كثير من ألعابهم سخيفا ، فلو قصّروا الوقت وأجادوا اللعب لكان أولى ، وهذا كالتزام بعض المؤلفين عندهم لنوع يسمّى نوفل ، وهو أن يجعلوا الكتاب ثلاثة مجلدات فيسفسفون ويدنقون (٣٣٢) ويأتون بالغث والسمين ، وقد
__________________
(٣٢٩) الهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم : الشيخ الكبير الفاني (م)
(٣٣٠) القدّي : الطيب الطعم والرائحة (م)
(٣٣١) تكرّج : فسد (م)
(٣٣٢) السفساف : الرديء من كل شيء. ودنق دنوقا : أسفّ وتتبع صغائر الأمور (م)